الاقتصادية - السعودية احتضنت درة الجزيرة العربية وقلبها النابض الرياض أخيراً الملتقى الإعلامي البترولي الثاني لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وبدأ المنتدى يوم الأحد 22 مارس واختتم يوم الثلاثاء 24 مارس 2015م. وقد خرج الملتقى بعديد من التوصيات التي من أبرزها العمل على إنشاء جمعية مستقلة للإعلاميين الخليجيين البتروليين والعرب والأجانب المختصين بشؤون البترول والطاقة في منطقة الخليج، وكذلك العمل على تصحيح صورة دول مجلس التعاون في الإعلام العالمي، وحث وسائل الإعلام الخليجية على تهيئة إعلام متخصص في مجال البترول والطاقة، وتأكيد أهمية عقد المؤتمرات والملتقيات المتخصصة في مجال البترول والطاقة. وقد سنحت لي الفرصة لحضور جزء من المناقشات في هذا الملتقى، ولاحظت أن هناك نوعا من الخلط بين دور بيوت الخبرة ومؤسسات الأبحاث المتخصصة في النفط والطاقة، ووسائل الإعلام، حيث طالب كثير من الحضور بضرورة إعداد متخصصين في الإعلام البترولي. والمعلوم أن من يركز على مجال معين كالنفط والطاقة عادة يعملون لدى بيوت الخبرة وشركات المعلومات والاستشارات في هذا المجال، وتدفع لهم رواتب مناسبة من أجل إصدار النشرات المتخصصة وجمع المعلومات وإنشاء قواعد البيانات التي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال أنظمة اشتراكات تدفع فيها مبالغ مالية من قبل المهتمين بهذا القطاع أو العاملين فيه. ولا يهتم الجمهور كثيراً بالإعلام المتخصص، إنما يركز على القضايا المباشرة التي تؤثر في حياته، التي تصاغ بلغة واضحة وبسيطة وبعيدة عن العبارات المتعمقة والعلمية. وقد تعجبت كثيراً من مطالبة أحد ممثلي المنظمات الإقليمية بضرورة توفير الإعلام للدعم الفني للمفاوضين في المفاوضات الدولية. وأعتقد أن المفاوض الذي يعتمد على الإعلام في المفاوضات وضعه التفاوضي ضعيف وحجته مشكوك في صحتها. وينبغي أن يتحصل المفاوض على الدعم الفني من الجهات التي يمثلها، التي تتخصص في قضايا المباحثات، وقد تلجأ الجهات المعنية إلى بيوت الخبرة الموثوق بها من أجل توفير الدعم الفني والمعلومات الضرورية والمناسبة والدقيقة، إذا كانت عاجزة عن إنشاء أو إدارة مراكز الدعم الفني والمعلومات المتخصصة. وقد طالب البعض الإعلام الخليجي بتصحيح النظرة النمطية لدول مجلس التعاون في الغرب، لكن لم توضح آليات التصحيح. وتناسى هؤلاء أن الإعلام الخليجي هو إعلام محلي يبث باللغة العربية ويستهدف المجتمعات الخليجية ويغطي قضاياها، كما أن إمكاناته البشرية والمادية محدودة مقارنةً بالإعلام الغربي. وأعتقد أن الإعلام القوي يتركز في الإعلام الناطق باللغة الإنجليزية، خصوصاً الأمريكي، وإلى درجة أقل البريطاني. ولا تتمتع بواقي وسائل الإعلام العالمية - حتى الجديدة - الناطقة بلغات أخرى غير الإنجليزية إلا بنفوذ محدود على المستوى العالمي. من جهة أخرى تتحمل المؤسسات الرسمية الخليجية مسؤولية تصحيح النظرة العالمية لدول المجلس، وعليها إيجاد واستخدام الآليات المناسبة لتصحيح النظرة النمطية العالمية لسياسات دول المجلس. ويتحمل مسؤولو المؤسسات الرسمية ذات العلاقة بالسياسات النفطية الوزر الأكبر من مهمة إبراز الدور الإيجابي الذي تقوم به دول المجلس في توفير سياسات استقرار إمدادات النفط. ويقتضي التعامل مع وسائل الإعلام الأجنبية وحسن استغلال نفوذها تعيين متخصصين في الطاقة للعمل في الإدارات النفطية والتحدث باسمها، بحيث يتمتعون بمهارات وإبداعات إعلامية معينة للتحاور مع وسائل الإعلام الغربية وكسب ثقة الرأي العام الأجنبي. من جهة أخرى لا تساعد المؤسسات والإدارات الرسمية المسؤولة عن النفط الإعلاميين والمختصين على تصحيح الصورة النمطية المنتشرة في الغرب عن دول الخليج العربية، حيث لا توفر هذه الجهات معلومات وبيانات كافية وحديثة عن النفط والطاقة تدعم سياسات دول المجلس وتصحح الصورة المغلوطة لدى المتلقي الغربي. ولا يوجد في موقع وزارة البترول في المملكة إلا معلومات عامة محدودة عن إنتاج النفط السنوي واحتياطاته، وحتى عام 2011م فقط. ولا تتوافر في موقع الوزارة على الشبكة العالمية بيانات متاحة للجميع وحديثة ودورية عن إنتاج النفط، ولا الصادرات النفطية ولا الاستهلاك المحلي من المنتجات النفطية أو الزيت الخام. وتوفر شركة أرامكو بيانات سنوية عن الطاقة، لكنها غير مكتملة. ولا تورد مصلحة الجمارك في بياناتها الشهرية عن التجارة الخارجية أي معلومات عن الصادرات والواردات النفطية، وتصدر بيانات سنوية ومتأخرة عن الصادرات النفطية مقيسة بالأوزان وليس بالبراميل. ويؤدي انخفاض درجة الشفافية وتأخر إصدار البيانات التي تقوم بها الإدارات الرسمية إلى عزوف المختصين المحليين والأجانب عن استخدام المصادر المحلية الرسمية واللجوء إلى إصدارات المؤسسات الدولية للحصول على البيانات التي تزودها بها المؤسسات المحلية نفسها، أو اللجوء إلى جهات تصدر تقديرات قد تسيء إلى دول المجلس. ولهذا حبذا لو وفرت وزارات النفط في دول المجلس أكبر قدر من الشفافية بخصوص بيانات ومعلومات النفط والطاقة المحلية والدولية المحدثة باستمرار وعلى مواقعها الرسمية. وهذا سيساعد كثيراً على تصحيح الصورة النمطية عن دول المجلس، وتطوير الإعلام الخليجي في هذا المجال، وسيمكن بيوت الخبرة المحلية من تطوير أدائها وزيادة قدرتها على توفير الدعم الفني للإدارات ذات العلاقة والمختصين الخليجيين والأجانب في مجال النفط والطاقة.