بعد عقود من التحفظ الإعلامي تارة، وتجاهل وسائل الإعلام المحلية تارة أخرى، وجدت صناعة البترول في دول مجلس التعاون الخليجي نفسها منفتحة على الإعلام وبشكل مستفيض هذا العام، ولكن داخل إطار استراتيجية محكمة وافقت عليها الدول ال6 الأعضاء في المجلس، معتمدة آليات تنفيذها قبل بضعة أشهر، والتي ركزت على التصدي للحملات العالمية الموجهة ضد سياساتها ومواقفها البترولية، وتعزيز ثقافة الصناعة البترولية في أوساط المجتمع الخليجي. ويأتي هذا التحرك بعد أن دعت المستجدات والمتغيرات في المجالات البترولية إلى وضع استراتيجية للإعلام البترولي تتسم بالمرونة لمواكبة هذه المتغيرات والتطورات البترولية، إذ إعتمد المجلس الأعلى للأمانة هذه الاستراتيجية في دورته ال33 في شهر ديسمبر من العام الماضي، لتضع اللجان المعنية في المجلس بعد ذلك آليات تنفيذ شاملة لما تضمنته الاستراتيجية، وفقاً لوثيقة حصلت "الوطن" على نسخة منها. مواجهة وتصحيح وتسعى دول مجلس التعاون الخليجي العربي عبر هذه الاستراتيجية إلى مواجهة محاولات التقليل من أهمية البترول كمصدر رئيس للطاقة والحملات الإعلامية الموجهة للسياسات والمواقف البترولية لدول المجلس والتشكيك في قدراتها بضمان أمن الإمدادات، إذ دفعها ذلك إلى تعزيز ثقافة الصناعة البترولية وتوضيح وإبراز السياسات البترولية لدول المجلس. واعتمدت دول الخليج في استراتيجيتها على محور رئيسي يتمثل في أن الإعلام البترولي يضطلع بدور بارز في توجيه الرأي العام من خلال تسليط الأضواء على مساهمة العوائد البترولية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول المجلس، ومكانة البترول في نمو الاقتصاد العالمي. انفتاح إعلامي وتعتزم دول مجلس التعاون الخليجية حث وسائل الإعلام بدول المجلس على اعتماد مبدأ التخصص في تناول الموضوعات البترولية والعمل على تأسيس نواة للإعلام البترولي، عبر تشجيع وسائل الإعلام في دول المجلس لتخصيص إعلاميين في المجال البترولي، واختيار كفاءات إعلامية وطنية وبناء شخصيتها البترولية، والعمل على الدعوة لتأسيس أقسام للإعلام البترولي في كليات الإعلام بدول المجلس، إضافة إلى تصميم برامج تدريبية متخصصة لمن سيتم تكليفهم بالتخصص في المجال البترولي، وذلك بالتعاون بين لجنة المختصين في الإعلام البترولي بدول المجلس ووسائل الإعلام. كما أتى ضمن خطط الاستراتيجية التي وضعت آليات تنفيذ أهدافها، التعاون مع مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ومؤسسات الإعلام الأخرى لإنتاج أفلام تلفزيونية ذات علاقة بالنشاط البترولي بشكل خاص، وإنتاج وتنفيذ البرامج الإذاعية ذات العلاقة بالنشاط البترولي وتوضيح أهم التطورات التي تطرأ على الصناعة البترولية، وتفعيل التعاون المشترك في مجال الإنتاج التلفزيوني والإعلامي في إبراز الصناعة البترولية على المستوى العالمي. مصدر طاقة موثوق واشتملت مساعي الدول الخليجية لتعزيز الحضور الإعلامي لبترولها، على إبراز المكانة البترولية لدول المجلس والتأكيد على أهمية دول المجلس كمصدر رئيس وموثوق للطاقة، داعية إلى استخدام كافة الوسائل الإعلامية المتاحة للتأكيد على التزام دول المجلس بتأمين الإمدادات البترولية في الظروف العادية وعند الأزمات، واستخدام كافة الوسائل الإعلامية المتاحة للتأكيد على أن أسعار البترول تتحدد وفق أساسيات السوق البترولية العالمية. وأكدت استراتيجية الأمانة على ضرورة التصدي للحملات الإعلامية الموجهة من الإعلام العالمي ضد السياسات والمواقف البترولية لدول المجلس، وإبراز الدور الإنساني والتنموي الذي تقوم به دول المجلس في دعم الدول الفقيرة والنامية ومساندتها من خلال توظيف بعض العوائد البترولية في صناديق التنمية بدول المجلس، والتأكيد على حرص دول المجلس على تعزيز التعاون والحوار المثمر بين الدول المنتجة والمستهلكة، إلى جانب تنفيذ برامج إعلامية تبرز جهود دول المجلس في المحافظة على البيئة في كافة مراحل الصناعة البترولية. استقرار الأسواق وستعمل الأمانة عبر استراتيجيتها البترولية على التأكيد على الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للبترول، وإبراز أهمية العوائد البترولية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول المجلس، والتأكيد الإعلامي على الدور الذي تقوم به دول المجلس لاستقرار السوق البترولية العالمية والذي يعود بالاستقرار على الاقتصاد العالمي. وفي هذا الصدد ستقوم الأمانة عبر استراتيجيتها بتسليط الضوء على الجهود التي تبذلها دول المجلس للمحافظة على البيئة محلياً وعالمياً في الصناعة البترولية، والمواكبة الإعلامية لتطورات أسواق البترول العالمية لما للبترول من أهمية استراتيجية واقتصادية كمصدر رئيس للطاقة، وتشجيع المتخصصين والباحثين في دول المجلس لإصدار كتب ودراسات بترولية متخصصة تبرز الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية العالمية للبترول. خطاب إعلامي متزن وضمن خططها الرامية إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة، ستعمل دول الخليج عبر كافة الوسائل الإعلامية المتاحة، على إيضاح أن أسعار البترول تتحدد وفق أساسيات السوق البترولية العالمية، كما ستزود وسائل الإعلام بتحليل مبسط يوضح العوامل الأساسية وغير الأساسية المؤثرة في أسعار البترول في السوق العالمية، إضافة إلى توجيه خطاب إعلامي بترولي متزن يؤكد أن أسعار البترول يحكمها توازن العرض والطلب في السوق البترولية العالمية، إضافة إلى إجراءات أخرى لرفع مستوى الوعي لدى مجتمعات دول المجلس والمجتمعات العالمية بطبيعة أساسيات الأسواق العالمية ودور دول المجلس في استقرارها. ولتعزيز هذا التوجه تخطط الدول الخليجية لإقامة فعاليات لتثقيف مجتمعات الدول المستهلكة توضح فيها طبيعة الصناعة البترولية في دول المجلس ودورها الريادي في الاقتصاد العالمي، وإعداد تقارير صحفية وتوزيعها على الصحف ووكالات الأنباء تبرز دور دول المجلس في الحفاظ على استقرار الأسواق البترولية، بالإضافة إلى إعداد حملات إعلامية بترولية مضادة لما تبثه بعض وسائل الإعلام العالمية ضد مواقف دول المجلس البترولية من خلال إقامة ملتقيات وتنظيم ندوات ومحاضرات واستضافة إعلاميين عالميين. تعزيز الثقافة في الداخل ووضعت أمانة مجلس التعاون الخليجي جملة من الحلول لتعزيز ثقافة الصناعة البترولية داخل دولها، تتمثل في توظيف مختلف وسائل الإعلام المتاحة لنشر وتعزيز الثقافة البترولية بين أوساط المجتمع، وتزويد وسائل الإعلام في دول المجلس بالمعلومات المتاحة للنشر عن الصناعة والسياسة البترولية لدول المجلس، وتنظيم فعاليات إعلامية متخصصة لممثلي وسائل الإعلام لنشر الثقافة بالصناعة البترولية لدول المجلس. ومن ضمن الخطوات التي تسعى إليها الدول الخليجية تصحيح ما يرد من معلومات مغلوطة في وسائل الإعلام عن الصناعة والسياسة البترولية لدول المجلس، وتنظيم الأنشطة الموجهة إلى طلبة المدارس والجامعات بدول المجلس من خلال التنسيق مع الجهات المعنية بالتربية والتعليم والعالي لنشر الثقافة البترولية، وتضمين الثقافة البترولية في المناهج التعليمية بدول المجلس، وتخصيص صفحة في الموقع الإلكتروني للأمانة العامة تتعلق بالصناعة البترولية لدول المجلس، وإصدار ونشر المطبوعات المتخصصة بالصناعة البترولية. توثيق التعاون وحرصت دول الخليج في استراتيجيتها على تعزيز التعاون بين أجهزة الإعلام البترولي التابعة لوزارات البترول والشركات الوطنية في دول المجلس مع وسائل الإعلام المحلية والعالمية، عبر تنظيم ملتقى إعلامي بترولي بصفة دورية في دول المجلس يشارك فيه ممثلو مختلف وسائل الإعلام لتبادل الأفكار والمعلومات وتذليل المعوقات وتعزيز التعاون بين الجهات الإعلامية، وتنظيم زيارات ميدانية لممثلي وسائل الإعلام المحلية والعالمية للمنشآت البترولية المصرح بها وترتيب مقابلات إعلامية مع بعض المسؤولين، إضافة إلى تنظيم دورات تدريبية لتأهيل العاملين في أجهزة الإعلام البترولي للتعامل مع وسائل الإعلام المحلية والعالمية. قاعدة بيانات وتهدف أمانة دول الخليج إلى تأسيس قاعدة بيانات بترولية لتأمين التواصل الإعلامي وتوفير المعلومات المراد إيصالها إلى الشريحة المستهدفة داخل دول المجلس وخارجها، والاستفادة من قاعدة بينات المنظمات العالمية وتحديثها بشكل مستمر. وفي هذا التوجه حرصت الاستراتيجية على توفير المعلومات ذات العلاقة للشريحة المستهدفة وأن تكون المعلومات متفقة مع أهدافها من خلال أحدث التقنيات الإلكترونية، وتزويد الأمانة العامة بقائمة لوسائل الإعلام الرسمية والمعتمدة في دول المجلس المرئية والمسموعة والمقروءة، وتحديثها بصورة دورية، إلى جانب تكوين قاعدة معلومات لمعرفة اتجاه وسياسات وسائل الإعلام والكتاب من حيث وجهة نظرهم تجاه السياسات البترولية لدول المجلس. تعاون المنظمات ولم تفوت الاستراتيجية أهمية توثيق التعاون والتنسيق في مجال الإعلام البترولي مع المنظمات البترولية العالمية وبالأخص منظمتي أوابك وأوبك، إذ وضعت من ضمن أهدافها الاستثمار الإعلامي للفعاليات التي تقيمها المنظمات البترولية العالمية، لإيضاح موقف وتوجهات دول المجلس الرامية إلى استقرار الأسواق البترولية العالمية، وإبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم للتعاون في مجال الإعلام البترولي بين الأمانة العامة لمجلس التعاون والمنظمات البترولية العالمية، والتنسيق مع المنظمات البترولية العالمية من أجل فتح المجال للإعلاميين البتروليين في دول المجلس للتدريب واكتساب الخبرات في الإعلام البترولي.