العرب القطرية مع كل إجازة تنشط حركة السعوديين للسفر والاستمتاع بأيام «العطلة»، وتنشط معها بالمقابل كتابات المصطادين في الماء العكر والمتصيدين للفرص لعرض باطلهم أو فرض أهوائهم. فتعلو نبرة المطالبين بفتح دور السينما وإتاحة الحفلات والفعاليات الغنائية والمسرحية بلا ضوابط، ومع ذلك يبقى الأمر تعبيرا عن الرأي وحرية فكر، ولكن حين تتحول المطالبات إلى استنتاجات واتهامات وربطٍ بين أمورٍ غير منطقية ثم ضغطٍ للتسليم بها! كأولئك الكُتاب والإعلاميين الذين يكررون مع مطلع كل إجازة: «إن قبضة الرقابة والصرامة في السعودية ومنع السينما والحفلات هو ما يدفع بشبابها للخارج» أو بلهجة ساخرة أخرى يقولون: «حماة الفضيلة في الداخل دفعوا السعوديين دفعاً للسفر خارجاً»! تعليقات وتحليلات كثيرة فيها تسطيحٌ للعقول وسذاجة في تقييم الوضع؛ إذ إن الواقع والإحصاءات تثبت أن دول الخليج عموما ترتفع لديها نسب السياحة الخارجية مع وجود السينما والانفتاح والفعاليات الفنية المنوعة على أراضيها والكويت خير مثال لذلك، ثم إن حال كثير من السياح السعوديين كحال السياح في العالم يغادرون أوطانهم كلما تهيأ لهم ذلك عشقاً للسفر والتنقل وكسر الروتين وأسباب لا حصر لها، وقمة الغباء واستغباء الآخرين أن يُقال: لو أوجدتم لهم سينما لما سافروا! أما الأدهى أن تجد من يقيس على دبي أو بيروت أو غيرهما ويطالب باستنساخ التجربة، ونقول: نعم لسياحة راقية بخدمات متطورة واهتمام بمستوى وجودة ما يُقدم للفرد ولكن أن نحوّل أرض الحرمين إلى نوادٍ ليلية و «خمّارات» وحفلات رقص وموسيقى واختلاط وعري لنجتذب الأنظار أو نستقطب نوعاً من السياح لا يشرفنا أصلا استضافتهم أو نستبقي القليل من شبابنا الذين يستهويهم ذلك بعيداً عنا، فالحقيقة أننا لن ندنس بلادنا ونفسدها لا لأجل أبنائنا ولا غيرهم. العجيب أن هناك ازدواجية وتناقضا واضحا لدى أصحاب ذلك الفكر الغريب من أدعياء الليبرالية، فغيرتهم التي يظهرونها على شباب البلد المسافرين للسياحة والأموال المهدرة في الخارج فيطالبون بإيجاد البدائل عندنا، لا نجدها ولا بعضاً منها في قضية الابتعاث، فشبابنا من الجنسين يضطرون لترك الوطن لا لأيام معدودة بل أعوام من أعمارهم يتغربون شرقاً وغرباً للدراسة وتنفق الدولة عليهم ما يقارب 120 مليارا، وما رأينا بين متلبرلينا من ينادي بإنشاء جامعات عالمية حديثة داخل الوطن واستقدام كفاءات دولية وتوظيفها في صروح العلم محلياً لإيجاد حلول وبدائل تغني عن ابتعاث السعوديين! والأولى أن تتجه الأقلام والأصوات للحث على رفع وتحسين مستوى السياحة والتعليم في البلد، لا أن تتباكى لسفر بعض السعوديين مؤقتاً للسياحة، فيما تصفق لابتعاث مئات الآلاف منهم للتعليم! وبعيداً عن هذه المسألة فإن الجميع مطالب بأن يكون شرع الله هو المعيار والبوصلة الأولى للاستهداء والاسترشاد، ومصلحة الوطن، فننطلق منهما لتحكيم الأمور ووزنها في حياتنا. فيتذكر كل مغادرٍ للحدود انتماءه للإسلام ولبلاد الحرمين، أيا كان سبب سفره «للدراسة أو الترويح أو التطبب أو التجارة والعمل» فلا يكون أنانياً لا مسؤولاً يسيء لدينه ووطنه فيشوه صورتهما ويظلم هذا الدين العظيم وهذا الوطن الحبيب الحاضر في أفئدتنا وأفئدة مئات الملايين من المسلمين. [email protected]  @ReemAlatef