الاقتصادية - السعودية يقول الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع في أحد كتبه القيمة، إن من الأخطاء القاتلة في مسألة الإصلاح على أي مستوى هو الاعتماد على مبدأ أن البشر بطبيعتهم طيبون متآخون، لا يعكر صفو عيشهم شيء، ولو ترك البشر على سجيتهم وفطرتهم لأصبحوا في أفضل حال. ويقرر الوردي أن من يميل لهذا التفسير للإصلاح دائما ما يحاول تحصين الناس بالتحذير من الحسد والتعدي على الآخرين عبر الخطب الوعظية التي تدعو للعمل الصالح. ويسهب الوردي في شرح رأي من يقول إن الوعظ هو الأداة الأساسية التي يمكن من خلالها إصلاح المجتمع، بأن أصحاب هذا الرأي يستندون دائما إلى استخدام هذا الأسلوب حتى في القضايا التي تحتاج إلى حلول أكبر وأكثر تعقيدا من مجرد الوعظ، فالبعض منهم قد يتجه لمعالجة الفساد الإداري أو الأخلاقي بهذا الأسلوب نفسه الذي يفترض ملائكية البشر. الإنسان بصفاته وطبيعته التي خلقه الله بها هو في كل مكان نفسه، مهما اختلف لونه أو عرقه أو دينه أو مستواه الاجتماعي أو المادي، أو كما يقول الوردي إن ساكن الكوخ هو ساكن القصر الفخم نفسه. كل يجري وراء إعلاء شأنه وجلب المنفعة لها، نعم، فضمير الإنسان ووجدانه يميزان المعروف عن المنكر، و يضعان الإنسان أمام حقائق الأمور مهما تعامى أو تغافل عنها، إلا أن نفس الإنسان لا تميز الأمور إلا بمنطق المصلحة أو المنفعة، وتقرر النفس البشرية لكل شخص منا أن يجلب النار لقرصه، وتتفنن النفس في التبرير والتأصيل لهذا الأمر خيرا كان أو شرا لترضي شيئا من ضميره أو لتسكته لبعض الوقت، ثم تسيطر على العقل لبرمجة التنفيذ. لكل منا الضمير نفسه الذي ينكر المنكر ويقر المعروف، فعندما يسرق أحدهم فإن ضميره لا يقبل السرقة، وفي أعماق هذا الضمير صوت يقول لا تسرق، ولن يجد هذا الإنسان أي تبرير منطقي أو وجداني يبرر السرقة، حتى وإن عاش في أفسد مجتمعات الأرض. من خلال تجارب الأمم وما نقرأه في التاريخ، فإن الوعظ لم يمنع يوما سارقا من سرقته، أو فاسدا من فساده، فمشكلتنا مع الفاسد أيا كان نوع فساده هو ليس في ضميره ووجدانه الذي يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، بل مشكلتنا معه في أننا لا نضمن من ينتصر في النهاية، هل ينتصر صوت ضميره و وجدانه، أم نفسه الأمارة بالسوء؟ وانطلاقا من هذا الأمر المحير، وضع الإنسان لنفسه شرائع مستقاة من جوهر الكتب السماوية في بعض الأحيان، أو من تجربة المجتمع نفسه أسماها القوانين والأنظمة، التي تعمل على تطبيقها سلطة تنفيذية بيدها القوة، وتصونها قوة تشريعية وقضائية. الإنسان بطبعه طماع، وإذا لم يجد ما يردعه سيتجاوز ويعيث في الأرض فسادا، وقد يكون القانون مكتوبا، ولكن ليس هناك قوة تحميه وتضرب به على يد الفاسد، أو قد يكون من يطبقه فاسدا، هنا سيكون الفساد مضاعفا. لو لم يطبق القانون في أي بلد سينتشر فيه الفساد، أما إذا كان للقانون قوة تطبقه، وسلطة تشريعية تؤسسه، وسلطة قضائية تتبعه، عندها سينعم الجميع بالأمن والحماية والطمأنينة.