نون بوست* الشرق الأوسط يشهد حاليًا فترة صعبة من حياته، وذلك مع استمرار العنف في سورياوالعراق والأزمات الجديدة التي بزغت في ليبيا واليمن، في الوقت الذي يستمر فيه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بلا هوادة، ولكن مهما كانت الأوضاع سيئة الآن، فإنه من شبه المؤكد أنها ستشهد مزيدًا من التدهور إذا لم تتصرف الدول المحبة للسلام في العالم بسرعة لكبح جماح قوى عدم الاستقرار والعنف. عندما سألتقي مع الرئيس أوباما يوم الثلاثاء في واشنطن، كجزء من زيارة رسمية إلى الولاياتالمتحدة، سوف تكون رسالتي واضحة: يجب أن نعمل سويًا لسحب الشرق الأوسط من حافة الانهيار، وهذا يتطلب التزامًا جريئًا على أساس رؤية طويلة الأجل من العدل والأمن والسلام لجميع شعوب المنطقة، ونحن في قطر على استعداد للقيام بكل ما يلزم للمساعدة في تحقيق هذه الرؤية. تحقيقًا لهذه الغاية، ستوفر علاقتنا الثنائية القوية أساسًا متينًا للتعاون بين الولاياتالمتحدةوقطر سواء داخل المنطقة أو خارجها، وبالفعل، تعمقت شراكتنا الإستراتيجية في السنوات الأخيرة، على الرغم من الاضطرابات الإقليمية. على الرغم من أن قطر كانت حجر الأساس للاستقرار ضمن بحر من الاضطراب، إلا أننا جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة، ونحن نهتم كل الاهتمام بسلامتها، ولقد انضممنا إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد الإرهاب، ونحن متحدون مع شركائنا في الخليج لمكافحة التطرف العنيف بكافة أشكاله، وتماشيًا مع دورنا كوسطاء بين الخصوم الإقليميين، كان لنا أيضًا نشاط في الجهود الدبلوماسية لحل النزاعات المزمنة في الأماكن التي تمزقها الصراعات مثل السودان ولبنان واليمن. في تصريحاته الأخيرة حول التحديات التي يفرضها التهديد الإرهابي، صرح الرئيس أوباما أن الحلول العسكرية لا تكفي لدحر الإرهاب ومواجهة التحديات الإستراتيجية الضخمة التي تواجه الشرق الأوسط والعالم، ونحن في قطر، نتفق منذ فترة طويلة مع هذا الموقف. أنا أعلم أن الكثيرين في الغرب ينظرون إلى التهديد الإرهابي ويقولون إن المشكلة هي الإسلام، ولكن بوصفي مسلم، يمكنني أن أقول لكم إن المشكلة ليست في الإسلام، المشكلة باليأس، ونوع من هذا اليأس هو الذي ينتشر في مخيمات اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وفي البلدات والقرى التى مزقتها الحرب في سورياوالعراق واليمن وليبيا وغزة، إنه اليأس الذي نراه في الأحياء الفقيرة من المدن الأوروبية الكبيرة، ونعم، نراه حتى في الولاياتالمتحدة، هذا اليأس الذي لا يميز الدولة أو الدين، هو الذي يجب أن نعالجه إذا أردنا وقف المد الإرهابي. وليس المقصود بهذا إيجاد ذريعة للإرهاب، لأن الإرهاب لا تبرير له، وقطر كانت واضحة في إدانتها للأعمال الوحشية التي ترتكبها هذه المجموعات المتطرفة، وثابتة في دعمها لكامل المبادرات الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، ولكن الرصاص والقنابل وحدهما لا يستطيعان كسب الحرب ضد الإرهاب. إن معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب تتطلب مقاربة أعمق وأطول وأكثر إستراتيجية لهذه المشكلة، وهذا يتطلب الشجاعة من القادة السياسيين للتفاوض على التعددية والشمولية وتقاسم السلطة كحلول للنزاعات الإقليمية، كما أن حل هذه المشكلة يتطلب محاسبة الطغاة والمستبدين. للأسف، حربنا ضد الإرهاب ساعدت - في بعض الحالات - على الحفاظ على الديكتاتوريات الملطخة بالدماء والتي ساهمت أصلاً في صعود الإرهاب، ونحن نعتقد أن المعركة ضد التطرف العنيف لن تنجح إلا إذا اقتنع سكان المنطقة بأننا ملتزمون بإنهاء الحكم الاستبدادي مثل حكم بشار الأسد في سوريا، والذي ينفذ إبادة جماعية ضد شعبه، ولكن مسؤولية القيام بذلك يجب ألاّ تتحمله الولاياتالمتحدة وحدها، بل يجب على الدول العربية العمل سويًا لإيجاد حل سياسي لسوريا. يجب علينا أيضًا أن نستعد للمدى الطويل من أجل تجنب أنواع الفشل الكارثي مثل الذي شهدناه في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، فالجهود التي يجب أن نبذلها ما بعد الحرب في سوريا وفي أماكن أخرى، يجب أن تركز على توحيد الناس كمواطنين متساوين تحت ظل الدولة ذات السيادة، وفي ذات الوقت، يجب علينا تجنب تعميق الانقسامات الطائفية التي أضعفت الحكومات والدول، وغذت نيران التطرف العنيف، وهذا يجب أن يبدأ من خلال بذل جهد واعٍ لمكافحة المحاولات السافرة لتعميق واستغلال الانقسام بين السنة والشيعة لأغراض سياسية. يجب علينا أيضًا إيجاد حلول دبلوماسية للصراعات التي طال أمدها والتي تعمق حالة عدم الثقة وتغذي الإحباط الذي يولد التطرف، فالاحتلال العسكري منذ عقود طويلة لفلسطين يجب أن ينتهي، ويجب إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وكان يمكن أن يكون من السهل تجاهل آفاق حل هذا الصراع الشائك، ولكن الحصار المفروض على غزة منذ العام الماضي أوضح أن الوضع الراهن لم يعد خيارًا مقبولاً. على مدى السنوات الثلاث الماضية، وقف المجتمع الدولي موقف المتفرج بينما كان يتم تحطيم توق الشباب في العالم العربي من أجل الحرية والعدالة والأمن الاقتصادي من خلال سياسة القوة، وعلى الرغم من كل التشاؤم الذي ولّدته قوى العنف والقمع، إلا أن شباب العالم العربي لا يزال صامدًا وملتزمًا بمستقبل أفضل، ولايزال يأمل في شرق أوسط تُحترم فيه الكرامة الإنسانية وتكون العدالة فيه منصفة وحقيقية. ولكن آمالهم لن تتحقق إذا لم نتصرف كما يجب لاستعادة ثقتهم ودعمهم من خلال تجديد التزامنا بالقيم التي ثاروا من أجلها في الربيع العربي. الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر *مترجم عن نيويورك تايمز