يواجه الرئيس الاميركي باراك اوباما مهمة شاقة في بلورة اقتراحه تشكيل تحالف دولي للقضاء على تنظيم دولة البغدادي في الشرق الاوسط، حيث يغلب الانتماء الطائفي وتجري حروب بالوكالة، وسط تدهور مصداقية الولاياتالمتحدة. وقد تراجعت مصداقية واشنطن في هذه المنطقة بسبب انتقادات الحلفاء لما يعتبرونه اخفاقات دبلوماسية اوباما. لكن الرئيس الاميركي يعد بالتحرك. وقال في استونيا، الأربعاء: "ما يجب ان نقوم به هو الحرص على اننا ننظم العالم العربي والشرق الاوسط والعالم الاسلامي، الى جانب المجموعة الدولية لعزل هذا السرطان". فيما أكد جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي تحذيرات الرئيس عن تنظيم الدولة، في كلمة ألقاها في بورتسماوث في نيوهامبشاير. وقال وسط تصفيق الحضور: "يجب أن يدركوا اننا سنتعقبهم حتى أبواب الجحيم حتى يمثلوا أمام العدالة. لأن الجحيم هو مكانهم، الجحيم هو المكان الذي سيصلون إليه." وقد أثار الصعود المفاجئ لهذا التنظيم المتطرف في سورياوالعراق قلقاً كبيراً في المنطقة وأدى إلى خلط الحسابات السياسية. فإيران على سبيل المثال سحبت دعمها لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعد الفوضى التي خلفتها الانتخابات، لا سيما وأن عدة أطراف عزت صعود "دولة البغدادي" إلى سياسته الطائفية. وفي اجتماع نادر، بحث نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان، الاسبوع الماضي مع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل في جدة سبل "مواجهة التطرف والارهاب". قلق إقليمي وفي اطار سعيها لوضع استراتيجية خاصة بها، ركزت واشنطن على عامل القلق الذي يسود لدى الدول الاقليمية. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست: "من الواضح أنه من مصلحة الدول المجاورة لسورياوالعراق، حتى الدول السنية، الا يكون لديها تنظيم عنيف ومتطرف يبث الدمار في محيطها". وتركزت جهود أوباما خلال قمة حلف شمال الاطلسي في ويلز أمس واليوم، بالدفع في اتجاه تشكيل هذا التحالف، وسيوفد وزير الدفاع الاميركي تشارك هيغل ووزير خارجيته جون كيري ومنسقة شؤون مكافحة الارهاب في البيت الابيض ليزا موناكو الى الشرق الاوسط. وتقول نورا بن ساهل من مركز الابحاث حول الامن الاميركي الجديد: "سيكون تحدياً كبيراً جداً بالفعل نظراً لكل تلك المصالح المتقاطعة في المنطقة". وأضافت "لكنه أمر ضروري جداً، يجب المضي فيه للدول التي تريد أن ترى دولة البغدادي تنهزم". وكلمة السر في الآونة الأخيرة كانت "التحالف" بعد إعدام تنظيم الدولة صحافيين أميركيين الذي أظهر أن الولاياتالمتحدة تواجه فعلياً، حرباً جديدة في الشرق الأوسط. وهذه الكلمة أعادت إلى الأذهان التحالف القوي الذي شكله الرئيس جورج بوش الأب، لإخراج قوات صدام حسين من الكويت في 1990-1991 ثم في عهد ابنه جورج بوش عند اجتياح العراق في 2003. لكن أي تحالف جديد بقيادة الولاياتالمتحدة والذي سيجنب اوباما خوض حرب أحادية الجانب في الخارج، سيكون على الأرجح تجمعا اقل علنية ما يعكس السياسة الصعبة في منطقة تواجه خطر الانهيار. ومجرد احتمال الحصول على موافقة ايران الشيعية على عدم عرقلة الجهود ضد "دولة البغدادي" يبدو أمراً صعباً. وفي سيناريو معقد آخر، فإن واشنطن تدعم حكومة بقيادة الشيعة في بغداد تحظى أيضا بدعم إيران، في مواجهة جهاديي دولة البغدادي. وترفض واشنطن فكرة التعاون مع نظام بشار الأسد في سوريا. ترفض إدارة اوباما فكرة توحيد قضيتها مع قضية الأسد الذي تعتبره "مجرم حرب". لكن الأسد سيستفيد من أي جهود أميركية لسحق "دولة البغدادي" على أراضي بلاده. وفي العراق، تقصف الولاياتالمتحدة أهدافاً لدولة البغدادي منذ عدة أسابيع، ما أدى إلى تقدم القوات الحكومية العراقية والقوات الكردية. لكن ليس هناك شركاء جاهزون لاستغلال مرحلة ما بعد الضربات الاميركية على التنظيم في سوريا، ما أعاد إحياء الجدل حول فشل اوباما في تسليح المعارضة المعتدلة السورية. الحليف البريطاني وأي تحالف أميركي سيتطلب دعماً سياسياً كبيراً من حلفاء أميركا الأوروبيين. وفي بريطانيا على سبيل المثال، من غير الواضح ما اذا كان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون سينضم الى حملة الضربات الاميركية بعد سنة على رفض البرلمان البريطاني توجيه ضربات جوية ضد دمشق سبب استخدامها اسلحة كيميائية. وأمس، أكد كاميرون، في مقابلة مع CNN على هامش قمة حلف الناتو أن بلاده لن تتعاون مع نظام الأسد، لمواجهة تنظيم البغدادي، قائلا: إن وحشية النظام السوري من بين أسباب ظهور التنظيم، ولم يستبعد كاميرون المشاركة بالعمليات بالعراق، ولكنه شدد على ضرورة مواجهة الأفكار المتطرفة بالمنطقة ككل. ورداً على سؤال حول موقف بريطانيا من طريقة التعامل مع تنظيم البغدادي، وما إذا كانت ترى وجوب تدمير التنظيم أم الاكتفاء بالحد من خطره رد كاميرون بالقول: "يجب تدميره وإنهاء وجوده تماما، هذا ما نؤمن به، ولكن يجب أن نكون واضحين، المشكلة هي هذه الأفكار المتشددة التي رأيناها في سورياوالعراق والصومال وأفغانستان ويجب التعامل معها." وتابع كاميرون بالقول: إن الدول الغربية المجتمعة في بريطانيا ضمن قمة حلف شمال الأطلسي ستعمل من أجل "تعزيز قدرة الدول على التعامل مع هذا الخطر" كما يحصل حالياً عبر دعم الأردن لتقوية قدراته العسكرية والأمنية. وحول إمكانية أن تنضم بريطانيا إلى الحملة الجوية الأمريكية التي تُشن ضد داعش قال كاميرون: "لن نستبعد خيار القصف ونحن اليوم نقوم بالعديد من الخطوات، بينها مساعدة القوى مثل الأكراد والجيش العراق وتوفير الدعم الإنساني، ولكن ما يجب أن نتفق عليه هو أن علينا دعم القوات الموجودة على الأرض للقيام بالمهمة بنفسها عوض القتال نيابة عنها." وقال كاميرون: نحن نريد في العراق ما نريده في سوريا وهو قيام حكومة تمثل الجميع، والفشل في المنطقة هو أن لدينا حكومة في العراق لم تكن مثل الجميع، لذلك نعتبر أن وجود حكومة عراقية جامعة ومواجهة خطر الأفكار المتشددة والأسد تحديات ثلاث أمامنا." وحول التحقيقات البريطانية الرامية للتعرف على قاتل الصحفيين الأمريكيين، جيمس فولي وستيفن سوتلوف قال كاميرون: "لن نكشف الآن عن المعلومات التي بحوزتنا حول هوية منفذ الإعدام، ولكننا نحقق فيها وسنعمل لمنع البريطانيين من السفر إلى مناطق الحرب ولمنع من سافر منهم من العودة إلى بريطانيا، وأؤكد أن كل المتورطين سيساقون إلى العدالة." من جهة أخرى، فرنسا أشارت، الأربعاء، إلى أن عملاً عسكرياً في سوريا قد يكون ضرورياً. وأي تحالف يمكن أن يشمل تعاوناً بين وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) وأجهزة استخبارات دول حليفة مثل الأردن وتركيا، يعني أن الكثير من العمليات ستبقى مصنفة سرية. والأنشطة الأخرى مثل قطع تمويل "دولة البغدادي" يمكن أن يكون علنيا أكثر. لكن أي تعاون ضمني بين إيرانوالولاياتالمتحدة سيبقى بالتأكيد طي الكتمان. ويقول بريان كاتوليس من مركز التقدم الاميركي: إن "التحالف الواسع الذي شهدناه في 1991" لن يتكرر. ويضيف: "إنها منطقة مختلفة تماماً". وتقول واشنطن أيضا: إن الانتصار على "دولة البغدادي" رهن بتشكيل حكومة وحدة وطنية في بغداد. لكن مع الانقسام السائد في العراق، فليس هناك ضمانات بأن حكومة رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي ستكون شاملة اكثر من حكومة المالكي. جهد دبلوماسي وتبقى تساؤلات كبرى تحيط باقتراح اوباما، لأن تشكيل مثل هذا التحالف المعقد سيتطلب التزاماً وحنكة دبلوماسية واسعة في شؤون الشرق الاوسط، وهو أمر لا يتطابق مع وضع الإدارة الحالية التي تنهي حروبا في الخارج، وأعلنت تغيير استراتيجيتها لتركز على آسيا. كما أن طاقة اوباما ورصيده السياسي يتراجعان بشكل متسارع، حيث إن معارضيه لا يزالون يهزأون من تصريحه بأن ليس لديه بعد استراتيجية لمواجهة تنظيم "دولة البغدادي" في سوريا. لكن ماثيو اولسن، مدير المركز الوطني لمكافحة الارهاب، قال، الأربعاء: إن لبنان وتركيا والأردن تعمل أساساً "بشكل واضح أو أقل علنية" مع واشنطن على مواجهة تهديد "دولة البغدادي". وقال: "هناك كل الأسباب التي تدفع للاعتقاد، استناداً إلى ما حصل حتى الآن، بأنه (التحالف) سيلتئم". ممثل خاص على صعيد آخر، عينت الولاياتالمتحدة، الأربعاء، ممثلاً خاصاً جديداً لها في المجتمعات الإسلامية، في الوقت الذي تشهد فيه تهديداً يفرضه تنظيم البغدادي فضلاً عن خلافاتها السياسية مع عدة دول ذات أغلبية مسلمة. وتم الإعلان عن تعيين شريك ظفر من جانب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي قال: إن مهمة ظفر تتمثل في مساعدة جهود التوعية الدينية التي تقوم بها وزارة الخارجية. لكن كيري قال أيضا: إنه يرغب في أن يتم تسليط الضوء على أن قتلة الصحفي الأمريكي ستيفن سوتلوف لا يمثلون الإسلام "كما أعتقد في ذلك بقوة". وقال كيري: إن تصرفات تنظيم الدولة تمثل "إساءة قبيحة" لدين سلمي يحترم كرامة كل البشر. وأضاف أن "الإرهابيين انتهكوا الإسلام بهمجيتهم". ويأتي تعيين ظفر فيما تتعامل الولاياتالمتحدة ليس فقط مع توسع نشاط إرهابيي الدولة في العراق، ولكن أيضا مع صراع حول الانتخابات الرئاسية في أفغانستان والتوترات السياسية في مصر والعنف في قطاع غزة. وقال كيري: إن دور ظفر مهم لأن جميع الأديان تهاجر وتختلط كما لم يحدث من قبل في التاريخ، مضيفاً: :"أدياننا ومصائرنا مرتبطة بشكل وثيق". يذكر أنه تم استحداث هذا المنصب الجديد العام الماضي وقريبا سيكون هناك 25 شخصا في تخصصات تتعلق بالنشاط الديني وتدريب الدبلوماسيين على الانخراط مع الرموز الدينية، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست. وقضى ظفر حوالي عشرة أعوام في العمل لدى الوكالات الاتحادية في قضايا تهم المسلمين في الولاياتالمتحدة مثل انتهاكات الحقوق المدنية والمراقبة الشرطية والتفتيش الأمني في المطارات، بحسب صحيفة واشنطن بوست.