الإقتصادية - السعودية "لم أر صورة بهذه البراءة والفرحة والشعور بالأمان كما بدا على وجه رضا ويُسر ورزان". تغريدة من عشرات آلاف التغريدات التي غرد بها أمريكان ضد مذبحة "نورث كارولاينا" التي قتل فيها مأفون أمريكي هؤلاء الشباب اليافعين الثلاثة المسلمين. ومما يخفف من أحزاننا عليهم أنهم شهداء عند ربهم بإذنه. هل تعتقدون أن الذي ذبحهم شخص صاحب مبادئ، وغار مثلا على المسيحيين ضد المسلمين الإرهابيين؟ لا أحد يصدق ذلك أبدا. فهذا الرجل يعرف أن الشباب الثلاثة أبعد ما يكونون عن الغضب والنفور والإرهاب، بل هم أقرب صورة إنسانية للدعة والفرحة والسماحة، فضلا عن أنهم يحملون الجنسية الأمريكية كما يحملها هو السفاح السادي. الحقيقة أن الرجل سادي يعشق مرضيا الدماء، مولع بالعنف والشر والقتل، ووجدها بعقله العليل فرصة ليفرغ ساديته، الرغبة العارمة التي دفعته لقتلهم، وكأنه ينتقم منهم بروحه المسيحية أو - وربما الأدق- بروحه العنصرية. ومن جهة أخرى يجب أن يعرف الغرب الإسلام كما عرفه كبار مفكريهم الذين أعجبوا به. في جلسة جميلة بمنتدى حمد الجاسر، أدارها الجميل حمد القاضي، انتقيت عمدا أعظم مفكر في كل أمة غربية مثل هيجل وريلكه وجوته قمم الفكر العالمي والألماني، واخترت من فرنسا عظيمهم الذي يفخر به كل فرنسي "فولتير"، واخترت من روسيا عظيمها وكبيرها ليو تولستوي الذي كان مؤمنا قلبيا بالإسلام بدليل أنه رد على أم روسية أرثوذوكسية تشكي أن ولدها دخل الإسلام فرد عليها قائلا: "باركي له، فلقد اعتنق أعظم دين بتاريخ الأديان، واتبع شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي هو خاتم النبيين، ولن يأتي نبي من بعده، وإني أشارك ابنك نفس الرأي". وقالت عنه كاتبة روسية اسمها فاليرا بروخافا، التالي:" إن تولستوي مات ودفن مسلما، وليس هناك شاهد صليب على قبره". واخترت من أيرلندا (والمملكة البريطانية) عظيميها برنارد شو، وأوسكار وايلد.. كل هؤلاء مجدوا نبي الإسلام وأثنوا على نظامه المتكامل. وهي أيضا رسالة للغرب بأن من يقوم بأعمال متوحشة تحت رداء الإسلام لا يمثل إلا نفسه ولا يمثل الإسلام الحقيقي الذي أعجب به كبار مفكري الغرب، ولم يكن إعجابا عاديا بل نوعا شديدا من التولع يقارب الإيمان. ونسألهم: هل تغير ذاك الإسلام الذي أعجب به كبارهم – وما زال يتبعه مفكرون غربيون معاصرون-؟ لا، طبعا. إذن من الذي تغير؟ الذين تغيروا هم المتعصبون المحبون للفظائع والمجازر. جربت نقاش ذلك في الولاياتالمتحدة مع مجموعة من الأمريكان دعيت لمعهدهم، ولم أجد إلا إجابات كهذه: "إن نصدق ما تقوله، فأنا أحب الإسلام". ولم يكن الإثبات صعبا! لم تكن هناك نية لنشر مقتل الشباب الثلاثة كخبر عاجل بأي محطة أو جريدة أمريكية، كما تفعل كل محطات الغرب ضد أي مسلم ولو هدد بقالة، وكان سيعتبر حادثا عرضيا من رجل مختل. ولكن "التوتر" كان بالمرصاد. مسلمون وأمريكيون ومن كل مكان في العالم انهمرت تغريداتهم المحتجة بعشرات الآلاف، فما كان من سدة الرئاسة الأمريكية إلا أن تعترف وتعلن أسفها العميق. إذن لم تعد لنا حجة إلى أن نقول إن الصهاينة يتحكمون في الإعلام؛ الحقيقة نحن، كلنا، أكثر من مليار من البشر، نتحكم في الإعلام!