أمّا محمدٌ – عليه الصلاة والسلام - فالجاهل به جاهل !. وأمّا تولستوي (9 سبتمبر 1828- 20 نوفمبر 1910) فمن عمالقة الرواية العالمية، ومن أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر. كان تولستوي روائيا، ومصلحا اجتماعيا، وداعية سلام، ومفكرا أخلاقيا، وعضوا مؤثرا في مجتمعه. أشهر أعماله روايتي (الحرب والسلام) و(أنا كارنينا)، وهما يتربعان على قمة الأدب الواقعي. - ما العلاقة بينهما ؟. أما العلاقة بينهما فهو كتاب ألّفه تولستوي عن محمد – عليه الصلاة والسلام- بعنوان ( حِكم النبي محمد ) وترجم – أيضا- ب ( أحاديث محمد صلى الله عليه وسلم )، حيث انتخب تولستوي واحدا وتسعين حديثا .. تتكامل مع رؤيته وفكره الفلسفي، وشفعها بمقدمة عن حياة الرسول الكريم. وقد صدر هذا الكتاب عن سلسلة المفكرين الرائعين من جميع الأزمنة والشعوب العدد 762 في عام 1910م . - كيف حصل تولستوي على هذه الأحاديث ؟. انتخبها تولستوي من كتاب ترجمه من الانجليزية إلى الروسية س. د. نيكولايف. وفي بداية الكتاب أشير إلى مصدرها وهو كتاب بالانجليزية لأحاديث محمد – صلى الله عليه وسلم- جمعه المسلم الهندي عبدالله السهروردي. - ترجمات الكتاب : قام "سليم قبعين" وهو عربي مسيحي بترجمة كتاب "تولستوي" عام 1912م، وهي أول ترجمة عربية له، وكانت في مصر عن مطبعة التقدم. وأضاف إليه موضوعات ليست في أصل الكتاب مثل الحديث أوضاع المسلمين في روسيا في أوائل القرن التاسع عشر، وذكر بعض آراء المنصفين للإسلام، والمتعصبين عليه، ودعاء النبي ، ورسالة الشيخ محمد عبده إلى تولستوي وقصائد شعرية لأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ولكنه لم يترجم كل الأحاديث المختارة. ولكن هذه الترجمة كانت تحتاج إلى تنظيم وتحرير، وتعليق وبيان، ورد على الشبهات التي تثيرها نصوصه، كما تحتاج إضافة عن حياة المؤلف تولستوي، وشخصيته، وفكره، وآثاره. وموقفه من الكنيسة، وموقف الكنيسة منه. وهذا ما قام به د. محمود النجيري. أما الطبعة الثانية فقد صدرت عام 1915م كما صدرت طبعة أخرى عام 1987م . أما الطبعة الرابعة فكانت للعلامة السوري عبدالمعين الملوحي عام 1997م وقد أشار إلى أنه وجد الكتاب في مكتبة والده، "عنوانه بالخط الكبير حِكَم النبي محمد وتحته للفيلسوف تولستوي، وبعد ذلك عنوان صغير "شيء عن الإسلام وأوروبا". ماذا قال تولستوي عن محمد – عليه الصلاة والسلام -؟. يقول تولستوي واصفا الرسول عليه السلام: هو مؤسس دين ونبي الإسلام الذي يدين به أكثر من مائتي مليون إنسان ( الكلام عام 1912م) قام بعمل عظيم بهدايته وثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله. والذي دفع الفيلسوف الروسي "تولستوي" إلى تأليف هذا الكتاب هو أنه رأى تحامل الملحدين والمُنصريين على الدين الإسلامي ورسوله صلى الله عليه وسلم، ونسبتهم إلى صاحب الشريعة الإسلامية أموراً تتنافى مع الحقيقة، كما هاله موقف الروس من الدين الإسلامي ومن أعمال معتنقيه فكان تصويراً يغاير حقيقتهم وواقعهم. فهزّته الغيرة على الحق الذي يعرفه، وشعر في أعماقه بأن السكوت عن البيان ليس من سمات الكاتب الحر، والمفكر الأصيل. فكان هذا دافعا لتصدى "تولستوي" لتأليف رسالة عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وجوانب من تاريخ حياته، قال فيها: "لا ريب أن هذا النبي من كبار المعلمين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة. ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسلام، وتكف عن سفك الدماء! وفتح لها طريق الرقي والتقدم. وهذا عمل عظيم، لا يفوز به إلا شخص أوتي قوة وحكمة وعلما. ورجل مثله جدير بالإجلال والاحترام" وذكر أن محمداً – عليه الصلاة والسلام- لم يقل عن نفسه أنه نبي الله الوحيد بل أكد نبوة موسى وعيسى وقال: إن اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك دينهم بل يجب عليهم أن يتمموا وصايا أنبيائهم... وقد اشتهر المسلمون في صدر الإسلام بطهارة السيرة والاستقامة والنزاهة حتى أدهشوا المحيطين بهم بما هم عليه من كرم الأخلاق والمحبة والسلام ... وقدم "تولستوي" للكتاب بمقدمة، تحدث فيها عن قضايا كثيرة تتصل بالإسلام والمسلمين في روسيا، ولخص في كتابة الأصول البارزة للدين الإسلامي، وعرض لحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتقشفه وصبره ومعاناته مع الكفار. وضرب أمثلة من أقوال المستشرقين وغيرهم، قبل أن يصل إلى الأحاديث التي ترجمها. مراجع المقال : 1- المجلة العربية عدد 418 ص 95. 2- عدد من مواقع في الشبكة العنكبوتية. فاصلة : إن هذا الكتاب يمثل وثيقة رائعة تعمل على تأكيد سماحة الدين الإسلامي بعيدا عن التشدد والتعقيد، وهو وثيقة مهمة لنا نحن المسلمين لكي نعيد قراءة تاريخنا ونتلمس فيه أهم القيم الإنسانية التي رسمها لنا لكي نستطيع أن نحقق شيئا من طموحنا في هذا الكون !!.