مكة أون لاين - السعودية الضربات التي توجهها وزارة التجارة بقيادة وزيرها توفيق الربيعة في الفترة الأخيرة ضربات موجعة، لكنها تستهدف خلق حالة لدى الرأي العام، من حقّ الوزير أن يستغلها لمحو تاريخ وزارة التجارة المليء بالثقوب، لكن أيضاً من حقنا أن نقرأ ونرى ونناقش ونسأل، ليس بهدف أن نقلل من جهد معالي الوزير، فهو حتى الآن وزير استثناء بكل المقاييس، واكتسب حضوراً شعبياً مهماً، وباستحقاق. فما نسمعه عنه وما نقرؤه أيضاً وما نلمسه من حضور شجاع في سوق تم التلاعب فيها لعقود تجارية أخرجت لنا خلالها أكواما من اللصوص والمرتزقة والاستغلاليين النجباء في خلق كوارث في حياة الناس واستغلالها وتعطيلها. الإجراءات المتعلقة بالغش التجاري أو الاستغلال أو النصب والاحتيال التي يواجهها المستهلك في السوق التجارية السعودية هل تراعي مسألة الوقت، وهل يتم تصنيف السلع وأضرارها، وهل تتم دراسة التعويض الذي يتطلبه أمر تعطيل مواطن تم استغلاله أو الاحتيال عليه؟ إذا كانت الشكوى مثلا تتعلّق بقطعة تجارية يترتب عليها "تعطل" مصالح مواطن، فما هي الإجراءات المتبعة؟ وهل الإجراءات تأخذ في الاعتبار تعطل المواطن؟ من خلال تجارب شخصية يتم استعراضها أثناء الحديث عن دور وزارة التجارة في مواجهة مثل هذه الحالات، يتضح أن الإجراءات في الغالب هي نفسها، ولا أهمية أو قيمة لموضوع الشكوى (السلعة) ولا بمدى تضرر المواطن منها، وقد تكون هذه التصورات أو الأحاديث غير مكتملة ما يعرضها هي الأخرى لعدم الصحة، سأروي تجربة شخصية، لتقريب الأمر. سلعة تجارية تتسبب في تعطيل "سيارة" لمدة تقارب الشهر، شهر تقريباً من تبليغ وزارة التجارة. هل هذا الإجراء طبيعي؟ بالطبع لا أحد سيقول ذلك لو أن الوزارة رضيت بأن تكون في مؤخرة الركب مثل موقعها السابق، لكنها غامرت بشجاعة وزيرها لتكون في المقدمة وعليها أن تثبت ذلك وتقبل كل ما ستواجهه من تحديات وعقبات وثغرات. وقبولها يعني أن تكون في مرمى السهام، وضغط العمل اليومي، هذا غير أن تكون هدفاً للتجار أنفسهم وتحايلهم ونفوذهم والفساد الذي نشروه طوال عقود من تاريخ التجارة سيئ السمعة. وعي المستهلك أحد أهم الضرورات التي علينا مواجهتها، وعلى الوزارة أن تتبناها بقوة وتلزم أي تاجر؛ أيا كان موقعه على تحمل مسؤولياته ووضع المستهلك أمام الصورة كاملة، في حالات مثل الضمان والاسترجاع وطرق الاستخدام الصحيحة لبعض السلع التجارية، أي أن ننتقل من فاتورة أم "درزن بريال" إلى فواتير مصدقة وواضحة تحمل الصفة الرسمية التي تعلنها وزارة التجارة وتلزم بها أي تاجر يفكّر بأن يمارس التجارة كعمل شريف. السوق التجارية السعودية يا معالي الوزير، وافقت أم لم توافق بطريقة دبلوماسية متوقعة، سوق منهوبة تماماً، سوق حتى الآن يتم التلاعب بها عبر العديد من القنوات والأشخاص، سوق تركت لفترة طويلة عرضة للعبث ولا يزال هناك من يعبث بها وأي زيارة لأقرب مكان تجمع سلع تجارية محددة سيشيب رأسك! ويمكننا ضرب العديد من الأمثلة على ذلك لو كان يتسع المجال. بالتأكيد أن استراتيجية الوزارة رتّبت على أساس أولويات، وبالتأكيد أن معالي الوزير سيواجه تحديات ربما من داخل الوزارة نفسها، وسيجد إرثاً هائلاً من الكوادر البشرية المعطّلة، وسيواجه فساداً من كل الطبقات وفي معظم الأماكن، ما يجعله في الصورة دائماً ومعه صورة الوزارة نفسها ودورها. وعليه أن يستعد لمفاجآت كبيرة هو بالتأكيد يتوقعها، لكن ما يعنينا بالدرجة الأولى هم الناس، الناس الذين تعبوا من النهش، وتعبوا من المشهد الذي يرونه ويعيشونه يومياً من الفاسدين وغير المبالين. يهم الناس ألا يتعرضوا لتعطل مصالحهم أو استغلالها، ويهمهم الحياة الكريمة القائمة على قوانين وأنظمة تحاسب المسؤول عن اختراقها حتى لو كان منهم. كبار التجار يبدو أنهم تلقنوا ربع الدرس، وتبقى لديهم ومنهم الكثير، أما التجار و"الكسابة" الذين بلا هوية ولا تدريب سوى على الطمع، وربما بلا أي شيء.. فحتى الآن يعيشون في السلامة بينما يضعوننا على حافة الجرف أمام ما يؤذينا صحيا وبيئياً ويغتنمون كافة الفرص للانتقام من الأنظمة وفرشها على الرصيف. الله معك يا معالي الوزير، فعلا الله معك.