عبدالحميد العمري الاقتصادية - السعودية يقدر أن ترتفع تحويلات العمالة الوافدة في بلادنا مع نهاية العام المالي الجاري إلى أعلى من 154.2 مليار ريال، محققةً معدل نمو سنوي مقارنة بالعام الماضي يبلغ 4.2 في المائة، وبرصد حجم تلك التحويلات الهائلة للخارج طوال عشرة أعوام مضت، فإنها ستصل إلى نحو 986 مليار ريال، ستكمل التريليون ريال بنهاية كانون الثاني (يناير) من عام 2015. وكم كان لافتاً أن تلك التحويلات (التسرب المالي) بدأت تقفز بمعدلات قياسية بالتزامن مع بدء وزارة العمل بتطبيق برنامج نطاقات وأخواته، حيث بلغ حجم التحويلات لتلك الفترة 2011-2014 نحو 538 مليار ريال، أي ما يشكل نحو 55.0 في المائة من إجمالي تحويلات العمالة الوافدة، التي يقدر أن يصل عددها بنهاية العام المالي الراهن إلى أكثر من 8.6 مليون عامل وافد (يتركز نحو 99.2 في المائة منهم في القطاع الخاص). ويبدو أن تنامي تلك التحويلات بمعدلات تفوق حتى معدلات نمو الاقتصاد الوطني، ترجح عودة السعودية لاحتلالها المرتبة الثانية ضمن سلم الدول الأعلى تحويلا على مستوى العالم بنهاية 2014 بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي المرتبة التي كانت تحتلها عام 2011، عادت في عامي 2012 و2013 إلى المرتبة الثالثة بعد كل من الولاياتالمتحدة وروسيا. أما الأمر الآخر والأكثر مدعاةً للاستغراب، أن تأتي أرصدة التحويلات السنوية للعمالة الوافدة أعلى من حجم الأجور السنوية المدفوعة لتلك العمالة، وهو ما بدأت تحقق منذ عام 2008 واستمرت تحققه حتى العام المالي الجاري، ففي عام 2008 بلغ حجم التحويلات نحو 78.5 مليار ريال، مقابل مجموع أجور سنوية للعمالة لا يتجاوز 66.2 مليار ريال، أي بزيادة بلغتْ نحو 19.0 في المائة عن الأجور، وفي عام 2014 تقدر الأجور السنوية للعمالة بنحو 123.4 مليار ريال، مقابل تحويلات سنوية تبلغ 154.2 مليار ريال، أي بزيادة تتجاوز 25.0 في المائة، والتساؤل هنا ينحصر عن مصادر تلك الزيادة في التحويلات، مقارنة بحجم الأجور السنوية المدفوعة، ويصبح التساؤل أكثر إلحاحاً وأهمية حين الأخذ بالاعتبار أن جزءا من تلك الأجور المدفوعة للعمالة يذهب للإنفاق على الاحتياجات الاستهلاكية والمسكن، بمعنى أن المبالغ المرشحة للتحويل (الادخار) بعد خصم نفقات المعيشة محلياً، ستأتي أدنى بكثيرٍ من حجم الأجور، وبافتراض أن العمالة الوافدة ستنفق في الداخل على أقل تقدير ثلث دخلها، فهذا يعني على سبيل المثال لعام 2014 أن المتبقّي لأجل التحويل للخارج لن يتجاوز 82.7 مليار ريال، فيما تبلغ التحويلات 154.2 مليار ريال، أي بزيادة تناهز 87.0 في المائة! هنا يأتي السؤال التالي: من أين أتى تمويل الزيادة في التحويلات، مقارنة بصافي الأجور القابل للتحويل، وهي هنا تبلغ 71.5 مليار ريال؟ وعلى مستوى الفترة 2008-2014 يقدر أن يصل مجموع تلك الزيادات إلى 410.8 مليار ريال! حينما بدأت وزارة العمل بتطبيق برامج توطينها قبل نحو أربعة أعوام، أوضحت في وقتها وطوال الفترة الماضية العيوب والاختلالات المتغلغلة في تلك البرامج، وأن بعضها خطره أكبر مما تتخيله وزارة العمل، وذكرت لها حرفيا، سواء بالكتابة أو عبر البرامج الحوارية أو حتى عبر اللقاءات المباشرة المحدودة مع وزير العمل وعدد من مسؤولي الوزارة، أنّ من النتائج المتوقعة لتلك البرامج المختلة في الأصل: 1) استمرار معدل البطالة في الارتفاع. 2) استمرار وتيرة الاستقدام في الارتفاع. 3) اتساع رقعة التوظيف الوهمي بالنسبة للسعوديين. 4) زيادة التشوهات في سوق العمل المحلية. 5) إفلاس أعمال المنشآت المتوسطة والصغيرة، وخروجها من السوق المحلية. 6) وبإفلاس تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ستضعف المنافسة وتزيد أشكال الاحتكار من قبل المنشآت الكبرى. 7) إنّ تفاقم كل تلك الآثار السلبية المدمرة لأي اقتصاد عبر السنوات القادمة (أصبحتْ في الماضي الآن)، سيفاقم بصورةٍ خطيرة جداً من تحديات وتشوهات سوق العمل المحلية، الذي بدوره سيحوّل مهمة توطين سوق العمل إلى مهمة مستحيلة! 8) كما ستكون مهمة إيجاد فرص عمل لأكثر من 3.1 مليون طالب عمل جديد من المواطنين للعقد القادم 2015-2024 أشبه ما تكون بالمهمة المستحيلة جدا. كل هذه التحذيرات ذهبت أدراج الريح، وكما نرى أننا في الوقت الراهن بدأنا منذ مطلع العام المالي الجاري ثمار التخبط والعشوائية والتشوهات التي عجت بها برامج وزارة العمل للتوطين! ولن يقف الأمر عند هذا الحد فقط؛ فما سيأتي من مفاجآت ستكون أكثر إذهالاً وصدمةً للاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، دع عنك وزارة العمل، فإنها ستكون في وضعٍ لن تحسد عليه على الإطلاق! فعدا أنها ورطت نفسها في نتائج ما صممّته من برامج سطحية، وعدا أنها حصدت وتحصد ما زرعته في وقت سابق، فهي ستكون بمواجهة ورطة الأنظمة واللوائح التنفيذية التي أقرتها، ما يعني أن مهمة من سيأتي على وزارة العمل لمعالجة آثار ومخلفات ما أصبحت بمواجهته، أقل ما يمكن القول حولها إنها ستكون واحدة من أصعب وأعقد المهام والأعمال في تاريخ الاقتصاد الوطني طوال نصف قرن مضى! باختصار، أقولها بكل أسف إن وقت الاستدراك والعودة للخلف للبدء من جديد، قد فات وانتهى، وإن علينا انتظار المزيد مما لم يخطر على بال وزارة العمل من النتائج المروعة والمحزنة في الوقت ذاته، والله المستعان على ما سنعانيه اليوم وغدا. والله ولي التوفيق.