الاقتصادية - السعودية أظهرتْ بيانات النشرة الإحصائية الشهرية كانون الأول (ديسمبر) 2013، الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي الخميس الماضي، ارتفاع حجم التحويلات المالية للعمالة الوافدة للخارج إلى نحو 148 مليار ريال "39.5 مليار دولار أمريكي" بنهاية عام 2013، مسجلةً نمواً سنوياً بلغ 18.1 في المائة. قبل أن أستطرد في قراءة وتحليل هذا الرقم القياسي الجديد، يجب التأكيد على أنّ تلك التحويلات تدخل ضمن حقوق العمالة الوافدة، وأنّها تمّتْ بالاعتماد على الأجور التي تسلمتها لقاء عملها في بلادنا، وحينما يُفتح النقاش حول تلك التحويلات والمخاطر التي قد تشكّلها، فإنّه يتوجّه بنقده إلى الأجهزة الحكومية القائمة على سوق العمل في مقدّمتها وزارة العمل، وكبريات منشآت القطاع الخاص. إذا كان هناك من نقدٍ للعمالة الوافدة في هذا السياق، فإنّه لا يحيد عن لفتْ انتباه الأجهزة المعنيّة بها، إلا أنّ الأمر يصبح بالغ الخطورة إذا ما تجاوز حجم تلك التحويلات للخارج حجم الأجور المدفوعة خلال الفترة! وهو ما حدث فعلاً خلال الفترة 2011 2012، ولا يُستبعد حدوثه خلال 2013. ففي مقابل الأجور السنوية المدفوعة للعمالة الوافدة التي بلغتْ خلال 2011 نحو 78.9 مليار ريال، وخلال 2012 نحو 83.0 مليار ريال، جاءتْ تحويلات العمالة الوافدة للخارج وفقاً لبيانات مؤسسة النقد العربي السعودي نحو 110.4 مليار ريال عن 2011؛ أي بزيادة في التحويلات بلغت نسبتها 40 في المائة على حجم كامل فاتورة الأجور! وخلال 2012 ارتفعت نسبة الفارق إلى نحو 51 في المائة، حيث وصل حجم التحويلات إلى أعلى من 125.2 مليار ريال! علماً بأن نسبة الفارق سترتفع إلى أعلى من تلك النسب؛ إذا ما خُصمت المصروفات الاستهلاكية ومدفوعات إيجار المساكن من الأجور السنوية التي تسلمتها العمالة الوافدة خلال الفترة. كما لا يجب تفويت الإشارة إلى أن تلك الإحصاءات تغطّي فقط التحويلات عبر القنوات البنكية الرسمية، إذ إن هناك أيضاً تحويلات قد تعادل أو تتجاوز تلك الأرقام تحت مظلّة أنشطة "اقتصاد الظل"، يضطلع بتنفيذها أفراد من تلك العمالة الوافدة عبر حساباتٍ خاصة لهذا الغرض؛ يدفع فيها العامل الوافد المستفيد "نقداً" إلى مكاتب متخفيّة تخصّصت في تنفيذ تلك التحويلات، وخلال أقل من ساعةٍ يتسلم المستفيد في البلد المحوّل إليه المبلغ بكل يسرٍ وسهولة، وبعمولة حتى أقل من عمولة البنوك المحلية! إنّ ما تعكسه تلك التحويلات الهائلة على واقعنا الاقتصادي والمالي، ليس إلا غيضاً من فيضٍ من التشوهات الاقتصادية المرعبة، بدءاً من حجم التسرّب المالي الكبير، مروراً بتفشّي نشاطات اقتصاد الظل، وارتفاع معدلات البطالة الوطنية، انتهاءً إلى عجز السياسات والتدابير المحلية عن كبْح تفاقمها. بناءً على كل ما تقدّم ذكره؛ يمكن القول إنّ إجمالي تحويلات العمالة الوافدة منذ بدء البرامج الأخيرة والعديدة التي أطلقتها وزارة العمل، قد تجاوز 383.6 مليار ريال؛ أيّ ما نسبته 57.8 في المائة من إجمالي تحويلات الأعوام العشرة التي سبقتْها! لقد أشرتُ منذ بدء وزارة العمل في تطبيق تلك البرامج إلى أنّ ما ستظهره البيانات الشهرية لمؤسسة النقد حول تلك التحويلات، سيكون أحد أهم المؤشرات القوية الدالّة على نجاح أو فشل تلك البرامج، وهو ما حدث فعلاً طوال تلك الفترة. فكلّما زادتْ جرعات تلك البرامج زادتْ معها التحويلات! إذْ على مستوى المتوسط الشهري لتلك التحويلات المالية للخارج، شهدنا ارتفاعها من متوسط 9200 ريال شهرياً عام 2011، إلى 10437 ريالا شهرياً عام 2012، ثم إلى 12330 ريالا شهرياً عام 2013. هل انتبهتْ وزارة العمل إلى هذا المؤشر على أقل تقدير؟! الإجابة "لا"، فوفقاً لمجريات الأمور طوال تلك الفترة، يبدو أنّ جُلَّ اهتمامها تركّز على "الكم" دون النظر لما سواه، ذلك "الكم" الذي امتلأت أحشاؤه بورطة التوظيف الوهمي! اللافت في البرامج الجديدة المزمع تطبيقها من قبل وزارة العمل، أنّها ستحتسب نقاطاً أكبر على العمالة الوافدة التي لا تصطحب أُسرها، ما يعني دعمها لاحقاً لخفْض فاتورة الاستهلاك محلياً، وزيادةً في فاتورة التحويلات للخارج، هذا عدا الأبعاد الأمنيّة والاجتماعية الباعثة على القلق نتيجة حرمان العامل الوافد من أسرته! ما يُضاف في محصلته النهائية إلى السلّة الكبرى من الأسئلة والمراجعات الكثيرة لجدوى برامج التوطين، التي لم يصدر على أي منها أيّ إجابة شافية منذ مطلع 2011 حتى تاريخه!