الاقتصادية - السعودية هناك تاريخ سياسي، وهناك علم سياسي، وهناك ممارسة سياسية. والسياسة ليست علما ولا أؤمن بأن هناك شيئا في الأرض اسمه "علوم" سياسية، وإلا فأعطني زعيما تخرج في العلوم السياسية، ما عدا بضعة من وزراء الخارجية الكبار مثل هنري كيسنجر. بل كيسنجر الألماني الأصل اليهودي أشهر من تولى السياسة الخارجية الأمريكية، وأكثر من أثر في العالم كله سلبيا، حتى على أمريكا، مثل أستاذه الألماني "مترنيخ" يؤمن بأن تضرب ثم تفاوض، لذا عشق الحروب الخاطفة. تجده في كتابه الأخير يتكلم عن تاريخ السياسة ودروسها. وأنا أؤمن بالتاريخ السياسي لأنه حصل وصار واقعا، حقيقة لا مراء فيها. في التاريخ السياسي لم تنجح خطة خارج الحدود، خصوصا في التفافات إضعاف الخصم بتأسيس خصم مقابل له. هنا يكون وكأنك أطلقت عقال كل عفاريت الشر ضدك. لأن إنشاء أي خلية أو مجموعة أو حتى حزب مضاد فأنت تصنع بدون أن تدري مفرخا للشر ضدك، وأنت تعتقد أنك تحصّن نفسك. اسأل الأمة الهنغارية ما صار عليها، وإمبراطورية النمسا، والهند قبيل الاستقلال والباكستان بعد الاستقلال وكوريا وفيتنام، وما يحصل بين دولتين عزيزتين علينا هما الجزائر والمغرب. وجيراننا إخواننا في اليمن وسورية والعراق ولبنان. تعلِّمنا دروسُ الخلايا أن كل الهياكل الحية تبدأ من خلية، بل هناك علم يدرس بنية الخلية الواحدة، لماذا؟ لأن الخلايا حركة وحياة مفعمة بالكيمياء والكهرباء والفيزياء والبيولوجيا والهندسة. من طبيعة الخلايا أن تنمو وأن تتقاسم حتى تبني نسيجا، ثم تبني عضوا ثم تبني هيكلا حيا كاملا. وهناك نمو طبيعي، كما أن هناك نموا غير طبيعي. والنمو الطبيعي في الخلايا نسميه نموا حميدا أو بنّاء، حتى بعض الطفرات الورمية نسميها حميدة، لأنها طفرة من ضمن النسيج الخلوي المتصالح. وهناك النمو الخلوي العربيد، وهو نمو توحشي للخلايا يخرج عن النظم الهندسي النسيجي للخلايا فيدمرها.. بل إن طبيعته هي التدمير. وتثبت علوم الأمراض السرطانية أن هذا النوع من الخلايا الأصعب معالجة، بل لا يعالج إلا بإنتاج مرض آخر. لا يمكن أبدا - فوق ما علّمناه التاريخُ السياسي كل مرة- أن تنشئ خلية أو فصيلة أو فريقا لمهاجمة فصيلٍ أو فريقٍ آخر إلاّ وينقلب عليك. هي طبيعة الأشياء بل طبيعة الحركة التي انفسحت أمام "نيوتن" التي وضعها الخالق -جلّ وعلا- في ضمير الكون. الكونُ كله بُني بحركةٍ دائرية، نعم هي فلسفة نادى بها الصينيون واليابانيون وآمن بها الفارابي وابن رشد، وأنا أصدقها ليس فلسفيا بل بما قضى الله بحساباته الكونية. فكل فعل سيموج بهذه الدائرة الكونية ويعود إليك بطبيعة نشوئه، ولكنه وهو في المدار اكتسب قوة هائلة فوق تصور من أسَّس. والهنود يسمونها "الكارما". هي خبراتٌ بشرية تثبت عودة السهم لصدر من أطلق! أقول أن نفهم النمو الخلوي، وأن نفهم قوانين الحركة، وأن نعتبر بالتاريخ السياسي، وأن ندرك طبائع الأمور، أنك لما تتدخل أو تنشئ شيئا فيه روح الشر-وهي لا بد أن تكون طبيعته وإلا كيف سيقاوم- سيكبر هذا الشر.. والمؤسف والمخيف هنا، أن حباله أفلتت منك ولم تعد تستطيع أن تلجم شروره.. حتى عليك. من كل قلبي أقول.. ما علينا من أحد!