الحياة - سعودي سعدت بصحبة الأمير سلمان في زيارته الرسمية إلى فرنسا ضمن وفد الكتاب والمثقفين، وكانت زيارة ثرية بكل ما في الكلمة من معنى. وبينما كانت مدة الزيارة أربعة أيام إلا أن ساعة جمعتنا بالأمير على العشاء كانت أكثر أوقات الزيارة حميمية وبساطة وثراء في التعرف على جوانب من ذكريات الأمير الجميلة ذات الدلالات الإنسانية. شيء جميل أن تعرف أميراً عن قرب، لأنه يندر أن تجد أميراً اسماً ووصفاً ومعنًى بحجم سلمان. وإذا قال الحكماء قديماً إن الأمير، أيَّ أمير، مثل الشمس لا يمكن البعد عنه أو القرب منه، يمكن لنا أن نقول، أيضاً، ما قاله فريد الأطرش بتصرف: ساعة بقرب الأمير أحلى أمل في الحياة. أظن المقصود هنا صحيفة «الحياة». من أكثر الجوانب التي أثارت إعجابي في الزيارة هو الانضباط والتنظيم وحسن الاهتمام من فريقي عمل معنيين بالزيارة. فريق الشؤون الخاصة بالأمير الذي نظم جميع الترتيبات المتعلقة بالزيارة وكل ما يخص الوفود خلال الرحلة في الذهاب والعودة، والاهتمام بأدق التفاصيل بدءاً براحة الوفود، ومروراً بتبليغ أي تغيير يطرأ على برنامج الزيارة بأربعة وسائل: الدعوات الرسمية، الرسائل النصية، المكالمات الهاتفية، والتأكد الشخصي من أن الجميع على علم بما سيحدث خلال اليوم في الزمان والمكان. الفريق الثاني، هو فريق مكتب وزير الإعلام الذي تفانى في التنسيق وخدمة الإعلاميين والكتاب والمثقفين والرد على تساؤلاتهم التي لا تنتهي. لكن الأكثر أهمية في الفريقين كانت تلك الابتسامة التي لا تفارق محيا أعضاء الفريقين. كانت الدعوة على العشاء الخاص موجهة للإعلاميين والمثقفين. دخل الأمير وصافح كل فرد بابتسامته المعهودة، ثم جلس في وسط تلك الصالة المستطيلة على غير ما توقع بعض كبرائنا من الإعلاميين المخضرمين الذين جلسوا في رأس الصالة، ظناً منهم أن الأمير سيجلس هناك، وفاتهم أن رأس المجلس هو حيثما كان الأمير. ثلاثة من المستجدين كانوا الأكثر حظاً والأقرب في مقابل الأمير مباشرة: طلال آل الشيخ، سلمان الدوسري، وكاتب هذه السطور. وبينما اهتم سلمان الدوسري وأنا بالإكثار من الابتسام وهز رؤوسنا -للفت انتباه الأمير على ما أظن - كان طلال آل الشيخ الأكثر جرأة في المداخلة مع الأمير. اصطحبنا الأمير معه في ذكريات تاريخية من أيام الصبا وتحديداً منذ عام 1951، منطلقاً من الرياض، ومروراً ببيروت، ومعرجاً على باريس حتى عاد بنا إلى جدة، بتفاصيل دقيقة لأسماء الأشخاص والأمكنة والشوارع وحتى ألوان السيارات. كان رئيس المراسم الملكية الأسبق أحمد عبدالوهاب يجلس إلى جانب الأمير، وهو من حرّك الحنين التاريخي إضافة إلى شخصية لبنانية كان يجلس إلى جانبي -لا يحضرني اسمه-، لكن يبدو أن والده من أصدقاء الأمير القدامى. يستشف من حديث الذكريات عن لبنان في «الزمانات» هو تحسر الأمير على ما آلت إليه الأوضاع في لبنان الذي فقد عذريته وجماله الأخاذ المرتبط بأصالته وبساطته، وانتهى مختطفاً يدور في دواليب السياسة أكثر مما ينبغي، حتى لم يعد ذلك المكان الذي يأسرك هواه وطيبة أهله وجمال أشجار الأرز فيه، بل سيطرت عليه طواحين الطائفية وخبز الأحزاب السياسية. من ناحية أخرى، تمنى الأمير بعد عرض شكل الحياة في الماضي أن تعرف الأجيال الجديدة كيف كانت الحياة في الماضي مزيجاً من السعادة والشظف، لكنها خالية من التأفف والأسف. ونظن أنها مسؤولية الإعلام والكُتاب لصياغة ذلك في قالب جميل يستهوي الأجيال الجديدة. أخيراً، عرفنا أن الأمير يقرأ كل ما يكتب في الصحف كل صباح ولا يكتفي بالتقرير الإعلامي الذي يعده المكتب الخاص، وفي هذا إشارة ورسالة إلى كل كاتب أن يفكر في كل كلمة يكتبها؛ لأنها مسؤولية يقرأها المسؤول. وهذا ما أسعدني، لكن أخافني، في الوقت نفسه والقدر ذاته، لأن كتاباتي تصنف بأنها قاسية على وزراء الخدمات تحديداً، وهذا صحيح، إيماناً جازماً مني بأنهم الداء والدواء والعلة والمخرج. ختاماً، كان الأمير سلمان كريماً وجواداً مع الجميع بكل ما في المصطلحين من معنى، فشكراً أيها الأمير. [email protected] saudianalyst@