الشرق - السعودية أعلن المذيع الداخلي عن إقلاع رحلة الخطوط السعودية المتوجهة إلى مدينة الرياض وطلب من المسافرين التوجه إلى بوابة إقلاع الطائرة. حمل حقيبته الصغيرة وأشواقه الحارة للعودة إلى أرض الوطن الحقيقي الذي لم يعرف غيره منذ نشأته واتجه إلى بوابة الإقلاع وأقدامه تسابق بعضها بلهفة العاشق. توقف أمام موظف الخطوط السعودية بشعر رأسه الكثيف وشنبه الخفيف وملامحه التي أضناها التعب وراح يتأمل من خلال سحنته السمراء وطناً حنَّ لمداعبة وتقبيل ترابه. جلس فوق الكرسي الخاص به وراح يعاين من خلال النافذة الساحات الخضراء التي طوقت مدرج الطائرة. اجتاحت ابتسامة مشرقة قسمات وجهه وهو يتخيل تحول تلك الأراضي الخضراء إلى برك من الرمال بعد ساعات عندما تحط الطائرة فوق رمال صحراء السعودية التي يعشق. التفت إلى الراكب إلى جانبه والذي يرتدي الشماغ السعودي التقليدي وألقى عليه السلام وراح يسأله عن أوضاع البلد من بعد غيابه. ابتلع نفساً عميقاً عندما بدأت الطائرة بالابتعاد عن تلك الأراضي الخضراء وأغمض عينيه بحركة تلقائية أدمنها عند كل إقلاع طائرة. عاد بذاكرته إلى تلك اللحظة المأساوية عندما غادر السعودية للمرة الأولى بحياته وتذكر الحزن والنكد الذي احتل أطراف عقله حينها. كانت السماء ملبدة بأطنان من الأغبرة وتأخرت الطائرة وتأجل إقلاعها لأكثر من مرة ولكنها غادرت ليغادر معها أرض الوطن. غربة لم تستمر طويلاً بسبب نفاد صبره وتفجر مشاعر حنين العودة بداخله كل مرة يجلس بها مع أصحابه العائدين من السعودية. أدرك بعدها بأن قدره قد قيد بتلك الديار وبأن مصيره ارتبط برمالها ولهذا لم يكن يطيق على أن تطول غربته. لكن طبيعة عمله التي أجبرته على مغادرة السعودية كل بضعة سنوات منعته من ممارسة عشقه الأبدي لهذا الوطن. كان يشعر وكأنه طائر فوق ركام السحاب كل مرة يعود بها بينما تتجسد مشاعر سوداء ملونة بالحزن والبؤس كل مرة يغادر بها ويشعر بأنه مصفد اليدين مربوط بالسلاسل وهو يُجبر على المغادرة. راح يضع خطته بعد وصوله أرض الوطن وهو يطالع ساعته كل لحظة ليعد المتبقي من الوقت قبل وصوله. سيزور أولاً أصدقاءه وأحبابه ثم يتناول العشاء في مطعمه المفضل وسيبدأ في متابعة أعماله في اليوم التالي. كان يملك كثيراً من الاستثمارات ويشرف على كثير من الأعمال التي تدر عليه كثيراً من المال وسط بلد ينعم به بالأمن والأمان. غلبه النوم وهو يمارس أحلام اليقظة البسيطة بالغنى والثراء والأمان ليبدأ بعدها سلسلة من أحلام المنام التي غصت بآلاف من الأوراق الزرقاء. أيقظه صاحب الشماغ من نومه بعد وصول الطائرة لأرض الوطن ليقفز من كرسيه ويسارع الخطى إلى بوابة الوصول بلهفة الطفل لرؤية لعبته. أشار له أحد موظفي المطار الذي ينظم تقاطر المسافرين بالاتجاه إلى أحد الطوابير المزدحمة التي تعج بالأجانب ليهز رأسه بحركة تلقائية وهو يتجه بثقة لشباك موظف الجوازات لغير السعوديين.