التقرير - السعودية لقد أصبح العالم مملًا. لا شيء جديد البتة فيما يتعلق بعالم السياسة في دنيا العرب. نفس السياسة. لم يتغير أو يتبدل شيء. ذات المسرح الفانتازي، والمخرج الصارم، واللاعبون الرديئون، والديكور السخيف، والستارة التي اهترأت، والجمهور الذي يلهب أكفه بالتصفيق، ومقاعد المسرح لا تنفعلُ ولا تتداعى ضجرًا ولا يعتريها المللُ كما ظنَّ أحمد مطر يومًا. ميكافيلي نفسه ملَّ من هذا الإصدار الغبي القديم، ومن امتهان أفكاره من أناس لم يستوعبوا طوال ستة عقود الفرق بين فن الممكن لحماية الثوابت والمبادئ وفن تقديم الثوابت والمبادئ كتنازلات في صفقات استحواذ كامل. حتى الحكومات العربية أصابها الملل، فلم تعد تُحدِّث إصداراتها من الأكاذيب والشعارات والدعايات والماكينات والمثقفين. لم يتغير شيء طوال عقود وكأن اللحظة قد تجمدت. في ذات المكان، نقف وإياهم على ذات البلاطة التي مسحت عليها كرامتنا مرة بعد أخرى بعد أخرى طوال ستين سنة. نعلق ذات التميمة الأمريكية التي نظن لفرط غبائنا وحماقتنا أننا لن ننجو بدونها فقط لأن آباءنا ظنوا ذلك. نسمع ذات الأكاذيب التي اهترأت من كثرة الغسيل وإعادة التدوير من نفس الجوقة إياها التي تجعل من الضعف والعجز مبرراً للخيانة، ومن المطالبة بالحقوق والسيادة والمنعة فتنة، وتجعل من العزة والكرامة والمقاومة مغامرة غير محسوبة. ذات التقية المفضوحة –الشبيهة بتقية أعدائنا الإيرانيين– حول فلسطين والمبادرة العربية والأمن مقابل السلام واتفاق أوسلو والاعتدال وضبط النفس وعدم التفريط بالحقوق الفلسطينية ورفض العنف باسم المقاومة.. إلخ. ذات (الخرط الفاضي) إياه حول الإرهاب والتيارات المتطرفة والخوارج والتكفيريين والمؤامرة من التنظيم العالمي والخشية على الأمن الوطني والسلم الأهلي والوحدة الوطنية والعيش المشترك من غول التقسيم والانفصال والفوضى واضطراب الأمن والفتنة العمياء.. إلخ. ذات الهذر إياه حول الإسلام والشريعة السمحاء ووجوب طاعة ولي الأمر والعلماء والدعاة المعتدلين وخطر التشدد والحرص على الأخلاق وسد الذرائع والاختلاط والخلوة ومناهج التعليم التي تفرز التطرف.. إلخ. ما مليتوا؟ بيل غيتس نفسه ملَّ، وصنع لكم الكوبي وبيست منذ عام 95 كي تريحوا هذا العالم من مكائن نسخكم تعيسة الحظ التي لا يرتفع فوق ضجيجها سوى نباح كلاب الصيد إيَّاهم. كل ما سبق من حق يراد به باطل بات مع الربيع العربي مفضوحًا وعاريًا وغير ذات قيمة. لقد انكشفوا! فلقد كشفت وثائق ويكيليكس وتسريبات سنودن عمق العلاقات السرية الوثيقة والتنسيق المشترك الذي يربط بعض مسؤولي الحكومات العربية (المهايطية) بالصهاينة بجامع العداء للإسلاميين الذين يعتقد هؤلاء المسؤولون، مثل الهالك شارون، أنهم هم العدو الأكبر. حتى إن المسؤولين الإسرائيليين قد ملَّوا من اللقاءات السرية مع المسؤولين العرب وباتوا يطالبون بجعلها في العلن. وعلى الفور سمعنا من يدعوهم (علنًا) لزيارته في بيته. شاهد غزة، وانظر من يساهم في خنقها وقتل شعبها اليوم، ومن يدعم القذر الذي يساهم في ذلك، فتكتشف كل شيء في لحظة. هذا فيما يخص كذبة العداء لإسرائيل، تلك الكذبة التاريخية المملة. أما فيما يخص الإرهاب، فلا إرهاب يفوق إرهاب الدولة في غزة التي تتساقط عليها هذه اللحظة أطنانًا من المتفجرات الصهيونية مع مشاركة عربية واضحة في حصارها وخنقها، ولا إرهاب يفوق إرهاب أنظمة بشار والمالكي الذين قتلوا مئات الآلاف من مواطنيهم في سوريا والعراق تحت ذات الذرائع والشعارات العربية حول الأمن والإرهاب والعيش المشترك والمؤامرة الكونية. ولا قمع وتطرف وتشدد يفوق قمع وتشدد وتطرف أجهزة البطش الأمنية العربية التي تطلق النار يوميًّا فتردي المتظاهرين السلميين وتأسر عشرات الآلاف من الإصلاحيين السياسيين الذين يطالبون لمواطنيهم بوطنٍ حرٍّ ومستقلٍّ لا يجعل من مقدرات البلاد حديقة خلفية للقوى العظمى ولا عزبة قابلة للنهب لأحد. وأين هو هذا الإسلام والشريعة السمحاء والاعتدال في دعم الخروج على ولي الأمر (الشرعي) المنتخب؟ وفي نفض اليد من ثورة دعمتها في البدء ثم تخلت عنها بعد أن طال أمدها، وفي صرف أموال البلد على بندين لا ثالث لهما: الثورات المضادة، وكل مكان آخر سوى مواطنيها؟ أعلم، فأنا أرعى قريبًا من "شبك" الفتنة إياه. لكنني أقول لهم ولعلمائهم ودعاتهم وكلاب صيدهم ما يقولونه لنا ليل نهار: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها! أيقظها بسوء إدارة وفساد وضعف واستئثار وقهر وظلم. إنهم يكذبون، ويفترضون أننا مجموعة من الغنم، لا تفهم وإن فهمت فلا تستطيع فعل شيء ما داموا قد شبَّكوا العلماء والمشايخ والقنوات والكتَّاب والمثقفين. إنهم ولنمطيتهم وتكراريتهم التي يتوارثونها جيلًا بعد جيل لم يستوعبوا بعد أن هناك ربيعًا عربيًّا جارف قد يصلهم (مسافة السكة)، وإن وصلهم فسيعرفون حينها الفتنة على أصولها، أعاذنا الله منها. الربيع العربي هو كلمة السر التي ينبغي أن يأخذوها على محمل الجد التام وسط عالم لم يعد يصدق أكاذيبهم وشعاراتهم ودعاياتهم. المجد للربيع العربي.. المجد لغزة.. والمجد كل المجد للذين ملَّوا.