مكة أون لاين - السعودية كان يمكن للتلفزيون السعودي أن ينفي الاتهامات التي وجهها الفنان فايز المالكي إليه في ثنايا مقابلته مع علي العلياني ضمن برنامج «يا هلا» الذي تبثه قناة روتانا خليجية، أو أن يقر بها أو ببعضها، معلناً تبريره لها، وكاشفاً عن وجه آخر فيها غير الوجه الذي رآها به المالكي. وكان يمكن للتلفزيون السعودي أن ينجح فعلياً في عكس صورة أكثر دلالة على المهنية الإعلامية لو أمعن في استيعاب وجهات النظر المختلفة معه واحتوى ما قاله المالكي في خبر مبثوث على إحدى قنواته المناسبة له؛ يورد ما قاله المالكي ثم ينتقل إلى أحد المسؤولين في إدارة التلفزيون ليستنطقه عن رده، ولا سيما أن المشاهد يعرف المالكي جيداً، بوصفه نجماً درامياً. لكن الرد كان أبعد ما يكون عن المهنية الإعلامية وشفافية الحس الإداري المسؤول، فلم يصنع التلفزيون في مواجهة اتهامات المالكي شيئاً مما ذكرته أعلاه، بل ذهب إلى الكيد للمالكي، بمنعه من الظهور في برنامج «سباق المشاهدين» الذي يبثه التلفزيون السعودي على القناة الأولى، بعد أن كانت الدعوة قد وجهت إليه للمشاركة في إحدى حلقاته! والمعنى الذي نستنتجه من هذا المنع، هو غضب المسؤولين في التلفزيون من المالكي، وهذا إحالة منهم لعلاقتهم باتهامات المالكي إلى علاقة شخصية، لأن الغضب – كالرضا- هو انعكاس لعلاقة الذات بالموضوع، وليس علاقة العقل أو الواقع. وإذا كان الغضب رداً شخصياً وذاتياً تجاه النقد الموجه للتلفزيون والاتهامات المتضمنة فيه، فإنه ليس منطقاً لدحضه، ولا تعبيراً عن نفيه أو تبريره، بل قد يكون على العكس من ذلك! اتهامات المالكي للتلفزيون السعودي جاءت مغلفة بعبارات المحبة والامتنان؛ فهو يصفه بأنه: «بيتنا ومرجعنا الأول، وهو سبب نجاحي، ولا خلاف لي معه». وهذا حس وطني يستثير المشاهدين الذين يجتمعون مع المالكي في الحس بما يمثله التلفزيون السعودي من رمزية وطنية، وهو في الوقت نفسه موضعة للنقد له في مسافة خارج أي فهم للانتقام أو تفسير برد الفعل الشخصي. أما نقده بعد ذلك للتلفزيون فهو نقد للترهل الإداري والبيروقراطي ولضعف البرامج وانصراف الناس عنها وعدم استيعاب الدماء الشابة، وهو نقد في بعضه لضخامة الميزانية وتكلفة شعار الهوية الجديد. ومن غير شك فإن هذه الملحوظات عيوب شديدة إذا أخذناها بمعايير القنوات التجارية والقياسات المهنية والإدارية، ولكن الأستاذ المالكي ينسى أن التلفزيون السعودي في إطار حكومي على الرغم من الهيكلة الإدارية الجديدة. فالميزانية الضخمة يجب أن تحسب كغيرها من ميزانيات الدوائر الحكومية في المملكة بكمية الرواتب التي تصرف لأعداد فائضة من الموظفين، وشعار التلفزيون ليس مختلفاً عن تكلفة شعارات أخرى، والدماء الشابة تجد من النجومية وتحقيق الذات في القنوات الأخرى ما لا تجده في التلفزيون الحكومي، أما المادة الفنية المقدمة فإنها في التلفزيون السعودي لا تقف عند الشروط المهنية أو الرقابية للمسؤولين عن التلفزيون، علينا –إذن- ألا نطلب من المسؤولين في التلفزيون ما هم عاجزون عنه!