اليوم - السعودية منذ أن تعرفت للمرة الأولى على السيارة، وقبل أن أتعلم القيادة وأحفظ أسماء الأجزاء الرئيسية فيها، تعلمت مصطلح مواصفات سعودية ومواصفات خليجية، وبشيء من براءة الطفولة، كنت أستغرب من كون المواصفات السعودية التي تبيع ملايين السيارات كل عام، أقل من غيرها في الدول المجاورة. وقبل أن أشتري السيارة الأولى، بدأت ألاحظ أن السيارات التي تباع في المملكة وبمواصفات سعودية سيئة أغلى من نظيراتها في الخليج، وبفارق كبير بالرغم من كونها تخرج (مشلحة) من مصنع واحد، وحينما اشتريت السيارة الأولى، انتبهت إلى أن السيارة التي دفعت قيمتها بعشرات الآلاف وبمواصفات أقل وسعر أعلى، لم تشفع لي عند الوكالة في تحمل قيمة إصدار الاستمارة أو نقل الملكية (200ريال). (بالمناسبة بعد سنوات، أخبرني مدير أحد فروع شركة سيارات، تعد من أكبر بائعي السيارات، أن سبب تحميل الزبون 200 ريال لإصدار استمارة أو لوح أو نقل الملكية، هي أن الوكالة اكتشفت أن تلك المبالغ الضئيلة تكلف الشركة ملايين في كل عام، لكنها لم تكتشف أن مبيعات سياراتها تكلف المواطنين مليارات سنوياً). اللهم لا حسد، فليس هدف المقالة النظر إلى كبار بائعي التجزئة، الذين يسرحون ويمرحون دون رقيب ولا حسيب، فكما يقول الإخوة المصريون: «المال السايب يعلم السرقة»، لكني سمعت كغيري عن استفاقة تلوح في الأفق لدى وزارة التجارة، ومساندة إعلامية من حماية المستهلك، وكيف أن أعضاء اللجنة الوطنية لوكلاء السيارات ممتعضون من حديث مسؤول أو نشر استطلاع يشير إلى نظرة المستهلك المغلوب على أمره، لبعض وكالات السيارات، بأنها تستغل ضعفه وقلة حيلته. فتحت بوابة الإنترنت على صفحة أخبار Google؛ بحثاً عن الضربة الموجعة التي سددتها وزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك أخيراً للمتلاعبين بالأسواق السعودية، وبكل حسن نية كتبت حماية المستهلك فكانت النتيجة كالتالي: (حماية المستهلك تحيل 18 محضرًا ضد محال تجارية كبرى إلى النيابة العامة، حماية المستهلك: الإدانة والغرامة لمقاه لم تلتزم بوضع قوائم الأسعار ...إلخ)، وبعد التدقيق تبين أن الأخبار الشافية تتعلق بدول مجاورة وليس لها علاقة بالسوق السعودي. أعدت المحاولة مستخدما عبارة (وزارة التجارة)، فجاءت النتائج في أغلبها عن السعودية، شيء مفرح أن تكون الوزارة فاعلة، لكن قراءة متأنية في المحتوى الإعلامي، تشير إلى أن الأخبار جاءت كالتالي: (وزارة التجارة تقترح.. تحذر.. ترصد .. تعتزم... إلخ) أو وزارة التجارة تغلق محلات صغيرة (مستودع.. بوفية.. بقالة... إلخ). بعيداً عن الآمال المتفائلة جداً، بدأت أبحث فيما يشغل وزارة التجارة (وأقصد في مكافحة الغش التجاري)، وحماية المستهلك هذه الأيام، لعلي أصل إلى تقييم أكثر واقعية دون مقارنة بالإنجازات التي تحققها الدول المتقدمة، أو العقوبات الحقيقية التي تتخذها بعض الدول المجاورة بحق كبار المتلاعبين في السوق. وتبين لي أن وزارة التجارة والصناعة قامت بخطوة غير مسبوقة في مواجهة الاحتيال، حيث إنها كشفت النقاب عن نتائج استبيانين لقياس رضا المستهلك عن وكالات السيارات في المملكة، وأظهر الاستبيان الجديد أن 67% من المشاركين غير راضين عن أداء تلك الوكالات بزيادة 6% على الاستبيان الأول، الذي سبق وأن أعلنته في وقت ماض، وأثار حفيظة وكلاء السيارات، فيما لم يزد الراضون تماماً عن 7.5%. وأكدت الوزارة أن محاور الاستبيان الذي أسهم في إعداده وتحليله فريق عمل مختص من جامعة الملك سعود، شارك فيه ما يزيد على 26 ألف مشارك، على تقييم المستهلك لمستوى خدمات "مبيعات السيارات" و"خدمات الصيانة" و"خدمات قطع الغيار" و"خدمات العملاء". هذه النتائج التي تبدو بديهية لدى أغلب المواطنين، وبعد أن شاركت عينة من عشرات الألوف من المواطنين فيها وفي استبيانين منفصلين، كنت أتوقع أن يكون كافياً لبدء إجراءات حقيقية على أرض الواقع لمساواة المستهلك السعودي بالخليجي، في المواصفات والخدمات والأسعار، التي ترتفع عن دول الخليج، فيما ترتفع نسب التضخم ومداخيل المواطنين هناك عن السعوديين. وبعد انتظار، جاء الرد حاسماً، لكنه هذه المرة من نائب رئيس اللجنة الوطنية لوكلاء السيارات في مجلس الغرف السعودية منصور العدوان، ان الاستبيان الصادر من وزارة التجارة أجراه مبتدئون يفتقرون إلى المهنية، مشيرا إلى وجود ثغرات في الاستبيان، ومقترحاً ضرورة تولي إحدى الشركات المتخصصة والمحايدة لعملية الدراسة.!! حماية المستهلك ساندت موقف الوزارة بتصريحاتها، لكن الجهتين مع كل ما يكفله لهما النظام من قوة وسلطة، وبرغم قناعاتهما بأن المواطن يئن تحت وطأة وكالات السيارات وربما البنوك والمطاعم والسفريات والشقق المفروشة والماركات العالمية (التي يبلغ أحياناً أسعار منتجاتها عبر التسوق الإلكتروني أقل من 50% من السعر الذي تباع به في المملكة)، وحتى سلاسل المقاهي التي أشار رئيس حماية المستهلك الدكتور ناصر التويم إلى أحدها يبيع بسعر يفوق سعره في الولاياتالمتحدة ب70%. مع أن الدكتور التويم لو سألني عن المقاهي لأكدت له أن المنافس الأبرز لهذه السلسلة يبيع القهوة بقيمة أعلى، وبأن بعض المقاهي الوطنية تبيع القهوة بأسعار خيالية، وأن زجاجة الماء التي تباع في البقالات بنصف ريال تباع في بعض المحلات بعشرة ريالات، لكن الأهم من الاستطلاعات والتصريحات والتغريدات الإلكترونية، هو ماذا يمكن أن تفعل الوزارة والجمعية من إجراءات؛ لوقف التلاعب والغش التجاري. تويتر @mesharyafaliq