اليوم - السعودية في مؤتمر الوعي الصحي الذي أقيم بداية هذا الأسبوع دعيت لإلقاء محاضرة عن أهمية القراءة في تشكّل الوعي الصحي، ضمن عدة برامج ومحاضرات تبتغي تأصيل الوعي الصحي للمواطنين. في إعدادي للورقة عدت لنظرية تنافر المدركات أو باللغة الإنجليزية Cognitive Dissonance لعالم النفس الاجتماعي الأمريكي ليو فستجنر الذي أعلنها سنة 1957م وهي باختصار تصف حالة من الصراع الذهني بين مفاهيم قَبْلِية راسخة تراكمت عبر السنين ومفاهيم، أو مدركات جديدة يكون الذهن قد تحصل عليها بطريقة ما من طرق التلقي وشعر بأنها قابلة للتصديق. تلك النظرية التي تسود في كتب التوعية الصحية وتستخدم كمحاولة لفهم سلوكيات الفرد ومن ثَمّ تقويمها للاتجاه السلوكي الصحي السليم، والإقلاع عن العادات المضرة بالصحة، قابلة للتطبيق بشكل أوسع على الحياة وصراع القناعات القديمة مع ما يستجد من قناعات هي مدعمة بالدلائل العلمية والمنطق. الإنسان يعيش فترة طفولة طويلة نسبياً، تمتد على أقل تقدير إلى العقد من السنين يمر خلالها بحالة من الرعاية الفسيولوجية والنفسية من قِبَلِ من هم اكبر منه، يكون فيها مجرد متلق للمعلومة ومستقبل لها. وفي المجتمعات غير المتقدمة، وغير العلمية، والتي تنتشر فيها الخرافة يقوم الفرد تلقائياً وعن طريق الامتصاص المباشر، أو الإملاء أو حتى عن طريق الإكراه بتبني المعلومة الخاطئة عن الجسد والحياة وعن الكون بشكل عام، تتراكم تلك القناعات في الذهن، سيما أن مجتمعاتنا مجتمعات لا تشجع الحوار والبحث وتقمع الأسئلة إن لم تجرمها يترتب على كل هذا الوعي الزائف عن الأمور سلوكيات خاطئة يعود ضررها على ذاته وعلى المجتمع بشكل عام. ومع الانفتاح الإعلامي وتعدد سبل المعرفة نجد الكثير من القلق النفسي جراء دخول قناعات معاصرة مدعمة بالدليل والمنطق لا تقف أمامها ركامات الوعي الزائف الذي هو في الغالب شفاهي في طبيعته. ويعمد حراس العادات القديمة بسبب علمهم أن تلك القناعات زائلة لا محالة إلى إطالة عمرها عن طريق تسييجها بالمحاذير غير المرئية في الغالب، ومحاولة قمع الأسئلة التي تطل برأسها صباح كل يوم جديد. هذا الصراع المنهك لموارد النفس البشرية والمادية يمكن القضاء عليه ضمن مشروع ثقافي معاصر يتوخى غرس المفاهيم الجديدة وتكريس الوعي لدى تلاميذ الصفوف الأولى والصعود بها إلى كافة أرجاء المجتمع. قد يكون الوعي مهمة فردية احياناً لكن ان يتم تبنيه من قبل الدولة امر سيوفر الكثير من الوقت والجهد. نحن بحاجة حقيقية إلى مشروع ثقافي حقيقي وشامل ومعاصر هو من وجهة نظري الأولى بل المدخل إلى أي مشاريع تنموية أخرى. تويتر @attasaad1