الرؤية الاماراتية لسيغموند فرويد رأي مثير للجدل فيما يتعلق بارتكاب الأخطاء في أساليب النطق والتفوه بالكلمات أو ما نطلق عليه عامة فلتات اللسان، حيث اعتبر أن تلك الأخطاء التي يقع فيها المرء أثناء حديثه بمثابة إعلان عن أمر خفي في داخله، وليست عفو الخاطر، إنها تنبعث من أعماق اللاوعي بعد مرحلة من الكبت الذي يمارسه العقل الواعي عليها. إلا أن المجتمعات دأبت على التسامح مع زلات اللسان ما بين أفرادها باعتبارها هفوات غير مقصودة، وكثيراً ما تتجاوز عن أصحابها من باب الحفاظ على العلاقات الاجتماعية وبأن الناس جميعهم معرضون للوقوع فيها بين الحين والآخر، خصوصاً حين يصحبها اعتذار وتصحيح، وهنا فلا محل لرأي فرويد، لكن في المقابل فإن تلك المجتمعات لا تغفر ذلك للكبار. زلات الكبار لا تمرر بالتصالح الاجتماعي، ولا تُضمّن ضمن سياق الزلات العفوية، اتزان الكلام مرهون بقامة الشخص ومكانته ومركزه، والمعايير الاجتماعية المتساهلة تصبح صارمة في تعاطيها مع فلتات لسان فئة بعينها دون الآخرين، خصوصاً تلك الهفوات التي يكون مصدرها كبار السياسيين في العالم، وهي تقابل عادة برد فعل عاصف يصطف إلى جانب رأي فرويد في أن تلك التعابير نيات خفية، واستعادة صورة تمثل ببساطة ما يُختزن بالباطن ويكون غير مناسب للإفصاح العمومي من قبل من تضعهم الظروف في مواضع مسؤولة، لكن ألسنتهم تخذلهم وتختار أن تتحرر مما قد يتسبب بالكثير من الارتباك والأزمات وتكون مصدراً لبعثرة العلاقات وتهديد المصالح والأمن. كانت أشهر زلة لسان سياسية حين أعلن رونالد ريجان بالخطأ أن بلاده على وشك الهجوم على السوفييت قبل مقابلة إذاعية، وكان حينها يعتقد أنه في حالة تجريب للمايكرفون. وثمة زلات كارثية أخرى تلفظ بها جورج بوش الابن في مناسبات عدة كان من بينها عندما أفصح مرة لرئيس وزراء السويد غير منتبه إلى كاميرا التلفزيون التي لا تزال تعمل، بقوله: «أنا مندهش، لقد ربحت، كنت أسير عكس السلام والرفاه والمسؤولية». وهناك رصد هائل لزلات لسان سياسية شملت إيهود أولمرت والبشير وجاك شيراك وغيرهم كثير. مصطلح فلتة اللسان أصبح ذائع الصيت في السياسة والعلاقات الدولية، اعتاد السياسيون أول الأمر على توظيفه كبديل للاعتذار أو سحب تصريح ناري، لكن استعمالاته تقدمت وصار يستخدم للتملص من المسؤوليات أو لتسويغ جهالة، إنما عندما يكون الشخص في وزن رئيس دولة أو نائب أو وزير أو مسؤول فإن محاسبة الناس له تصبح دقيقة وقاسية معظم الأحيان، لأنها برأيهم تعري مكنونات صاحبها ومسار تفكيره وخططه مهما تظاهر بغير ذلك، وكلما ازدادت أهمية الشخص كلما تضاءل سلوك المرونة في التعاطي مع أخطائه، ويصبح لرأي فرويد الكلمة العليا.