الشروق - القاهرة لم أعد أستيقظ إلا منهكا، يكاد الحزن على حال وطن تدميه ثنائية الأعمال الإرهابية وانتهاكات حقوق الإنسان والحريات أن يقضى على حب الحياة والرغبة فى العمل. لم أعد أستيقظ إلا منهكا، فالمساء الذى تحوم به طيور ظلام الصوت الواحد والرأى الواحد يسلمنا إلى نهار نترقب أن يمضى دون أعداد إضافية من ضحايا الانتهاكات والإجراءات الاستثنائية والاعتقال أو ضحايا الإرهاب والعنف وبينهما ليل ساعاته القليلة القلقة لا تسعف لاستعادة ولو شيء من التوازن النفسى والإنسانى، فلا أحلام فرويدية تأتى ولا رؤى فى المنام لوديان خضراء أو بحار زرقاء عظيمة الامتداد تعد بزوال قريب للكرب. لم أعد أستيقظ إلا منهكا، فى ساعات النهار الأولى أبحث عن كتابات تشرح أوضاع الشعوب والبلدان التى سبقتنا إلى المعاناة من هيمنة الصوت الواحد والرأى الواحد، إلى الفاشية، أعمل النظر فى دراسات أكاديمية تتناول الإرهاب وأسبابه وسبل التغلب عليه التى لا تخرج أبدا عن حلول أمنية ملتزمة بسيادة القانون وبمزيج مع حلول سياسية واقتصادية واجتماعية، ثم تعيدنى مطالعة أخبار الصحف إلى واقعنا الذى أمسكت الفاشية بجنباته وتصر نخب «الحل الأمنى وفقط» والمجموعات الإرهابية على دفعه إلى الانتحار الجماعى ودوائر العنف والعنف المضاد التى لا تنتهى، ويرتد النظر وهو حسير. لم أعد أستيقظ إلا منهكا، يقتلنى عدم اليقين بشأن حصاد العمل والاشتباك مع قضايا الوطن، أسئلة بلا إجابات عن هوية من يقرأ الكتابات الصحفية مساحتى الرئيسية اليوم، هل هناك من ينتظر منها بعض الزاد المعرفى أو الفكرى أو السياسى أم أنها تقرأ لإحكام إغلاق حلقة تصنيفات المع والضد، ألم تصب الرتابة كتابات تفرض عليها الطبيعة التكرارية لواقعنا الأليم التعامل المرة تلو الأخرى مع خطر هيمنة المكون العسكري الأمنى على الدولة والسياسة وتبرير انتهاكات الحقوق والحريات وغياب العدالة الانتقالية وكارثة الحل الأمنى غير الملتزم بسيادة القانون وجغرافيا الظلم التى تتداخل مع جغرافيا الإرهاب والعنف، هل مازال للمعلومة وللفكرة وللرأى حياة أطول من لحظة مطالعة القراء للجريدة أو للموقع الالكترونى أو من وصلة ابتذالها المسائى على يد طيور ظلام الصوت الواحد والرأى الواحد. لم أعد أستيقظ إلا منهكا، تنقض على الهموم الشخصية وتمكنها منى مناعتى الضعيفة وتداخلها مع الهموم العامة، بالأمس القريب منع من السفر لتغريدة وبالأمس الفعلى رفض لتمكينى من الذهاب لبضعة أيام لرؤية ولديى، بالأمس القريب تخوين وتشويه وتشكيك ظالم لكى أتحمل فاتورة الرأى المستقل والدفاع عن المبادئ وبكل أمس فعلى حلقة جديدة من حلقات الظلم بعنوان أكثر تهافتا وعبر صوت لأبواق الدولة الأمنية أشد سخافة، بالأمس القريب ألم من استجابة قطاعات واسعة لاستباحة وعيهم وإدراكهم ولتماهيهم مع التخوين الظالم وبالأمس الفعلى بدايات رد من جانبى فى حوار متخيل «إذن أنتم لا تريدون إلا الأبواق والمصالح السياسية والاقتصادية والمالية الفاسدة ليتحدثوا بالنيابة عنكم، إذن أنتم لا تريدون إلا المشاهد الانتخابية العبثية التى لا تلتزم بها أجهزة الدولة بالحيادية أو التى تحسم سلفا إن لسيطرة المال أو بفعل مقولات متهافتة من شاكلة مرشح الضرورة والبدائل المعدومة، لكم هذا والسلام»، ثم تماسك جزئى وانتظار دافعه لعل وعسى التى نعشقها جميعا فى مصر ورفضى لأن يهزم حلم الدولة الديمقراطية والمجتمع العادل أو ممانعتى للاعتراف بأن الهزيمة حدثت بالفعل.