الاقتصادية - السعودية إن أزمة الإسكان التي تعاني منها المدن الرئيسة في السعودية هي ليست حصراً فيها أو في دول العالم الثالث كما يعتقد البعض، فهي موجودة في العديد من دول العالم الأول وحتى في أكثرها ثراء وقبل حصولها عندنا بعقود فقد كانت ولا تزال موجودة في بعض تلك الدول، فأزمة السكن تعرف ببساطة بازدياد التعداد السكاني بشكل لا يتواكب مع عدد الوحدات السكنية التي تطور في تلك الدول وتكون نتائجها في الغالب زيادة هائلة في أسعار الوحدات السكنية ونقص في نسبة تملك مواطنيها لمساكن خاصة. ولكن أهم ما يعنيني في هذا المقال إبراز تجارب الغير للاستفادة من تجاربهم السابقة في حل أزمة الإسكان لنخلص بنموذج ناجح ومميز لحل أزمة الإسكان لدينا وتلافي أخطاء الغير في حل الأزمة. من الصعب استعراض جميع تلك التجارب لضيق مساحة المقال ولكن يمكن استعراض نتائجها بما يلي: إن السمة الغالبة في نماذج حل أزمة الإسكان الناجحة في تلك الدول تكمن من وجهة نظري في أربع نقاط: 1. توفير مناخ مناسب لتحفيز بناء الوحدات السكنية من قبل القطاع الخاص عن طريق سنّ الأنظمة والتشريعات الحكومية مما سيوجد طفرة وسوقاً لبناء الوحدات السكنية ذاتياً، وسيقوي صغار المطورين العقاريين لسد حاجة السوق من الوحدات السكنية ومعادلة العرض والطلب، كما سيؤدي إلى المنافسة فيما بينها في جودة وسعر الوحدات السكنية المنفذة والتي سيستفيد منها المواطنون بكافة طبقات وفئات المجتمع. 2. تفعيل دور الأحياء المتكاملة خارج المدن الرئيسة والضواحي السكنية عبر الإنفاق الحكومي في البنى التحتية فيها لتوجد فيها فرصاً استثمارية للمطورين العقاريين لتطوير وحدات سكنية فيها لجميع فئات المجتمع لتحفيز الهجرة العكسية إليها لتخفيف الضغط والازدحام في المدن الرئيسة القريبة منها. 3. إيجاد مناطق سكنية متكاملة تضم جميع فئات المجتمع بكل المستويات وبالتالي القضاء على أحياء مخصصة لفئة معينة من المجتمع مما له دور إيجابي في إيجاد تكافل وتعايش بين طبقات المجتمع. 4. تركيز الإنفاق الحكومي لدعم الإسكان عبر الاستثمار المباشر في البنى التحتية والمرافق العامة للضواحي الجديدة مع مطوري المساكن من القطاع الخاص وتحصل الحكومة لقاء تلك الاستثمارات على عدد معين من مخرجات تلك المشاريع الإسكانية بسعر التكلفة توزع على محدودي الدخل بسعر مدعوم أيضاً لضمان مزج كافة فئات وطبقات المجتمع فيها. كما تركزت السمة الغالبة في الإخفاق الحكومي في حل أزمة الإسكان بأربعة نقاط، هي: 1. تخصيص مناطق أو أحياء مخصصة لطبقة محدودي الدخل والتي كانت نتائجها سلبية وهي تعزيز الطبقية في المجتمع وإيجاد مناطق تتحول مستقبلاً إلى بؤر للفساد الأخلاقي والأمني. 2. بناء المجمعات السكنية داخل المدن الرئيسة وإغفال أهمية إنشاء ضواحي سكنية أدى إلى تكدس السكان في المدن الرئيسة، ما أدى إلى انفجار سكاني فيها ولم تعد مرافق تلك المدن تتحمل الكم الهائل من السكان فيها. 3. البناء الحكومي المباشر للوحدات السكنية أدى إلى نتائج سلبية منها سوء في التنفيذ وإطالة مدة التنفيذ وأخطاء في التصميم. 4. البناء المباشر للوحدات السكنية من قبل الحكومة أدى إلى منافسة القطاع الخاص، ما أدى إلى تنفير نشوء مطورين محترفين وضعفهم، الأمر الذي أدى إلى قصور في مستوى تنفيذ المساكن لبقية فئات المجتمع مما أدى إلى شح في المعروض من الوحدات السكنية المخصصة لتلك الفئات وبالتالي غلاء كبير في أقيام تلك الوحدات. مما قرأناه سابقاً يجعلنا نرى أن نتائج حلول أزمة الإسكان الخاطئة كانت أشد وطأة من المشكلة نفسها وبالتالي لزم أن نتفهم أخطاء الآخرين لتلافي النتائج السلبية للحلول الحكومية لأزمة الإسكان.