تقوم الدولة بتقديم الأرض كمنحة للمطورين العقاريين القادرين وذلك في المناطق التي تصلح ضواحي للمدن في مقابل أن يقوم العقاريون بتطوير تلك الأراضي من حيث البنية التحتية وبناء وحدات سكنية اقتصادية عليها ومن ثم بيعها للمواطنين بنصف التكلفة في الآونة الأخيرة أصبح هم السكن من أكبر المشاكل التي تواجه الأجيال الحالية واللاحقة حتى انقلب المثل المعروف ليصبح «لا هم إلا هم السكن» وهذا الهم مرده ومصدره ان الإنسان أصبح لا يستطيع أن يملك مسكنا ما لم يدفع به كل ما جمعه هذا إذا كان قد جمع شيئاً والسبب ارتفاع أسعار الأراضي التي وصل سعر المتر منها إلى آلاف الريالات إذا كان سكنياً وعشرات آلاف الريالات إذا كان تجارياً. وهذا الأمر محبط في دولة مترامية الأطراف قليلة السكان مستوية الأرض تحتاج أن تعمر مناطق كثيرة من مساحتها حتى تستطيع حمايتها واستغلالها، ولعل أكبر الأسباب التي تقف حجر عثرة أمام التعمير وامتلاك الناس منازل خاصة بهم ما يلي: * وجود بعض القوانين التي ما أنزل الله بها من برهان مثل انه لا يسمح ببناء فلة من دورين منفصلين إذا كانت المساحة (400)م2 أو أقل. وهذا فيه اجحاف لأن من يملك أرضا مساحتها (400)م2 لو لم يوجد ذلك القانون الأخرق لاستطاع أن يبني دورين منفصلين يسكن هو في أحدها ويسكن ابنه أو ابنته في الدور الآخر أو يؤجره وفي كل الأحوال مثل هذا التوجه يحسن من وضعه الاقتصادي ويتيح الفرصة لمن دخله محدود الحصول على سكن شراء أو ايجار بسعر مناسب. * عدم السماح لأصحاب المساكن (فلل أو بيوت شعبية) من إقامة أدوار اضافية لا تكلف إيصال خدمات اضافية مثل الكهرباء والماء والهاتف، فزيادة الأدوار في الأحياء القائمة يعتبر امتدادا رأسيا تكلفته أقل من تكلفة الامتداد الأفقي الذي جعل من مدينة مثل الرياض تمتد (55x65) تحتاج إلى ساعات للوصول من طرفها إلى طرفها الآخر وفي غياب النقل العام وازدحام المرور لك أن تتخيل الحاجة إلى الامتداد الرأسي المدروس. * وجود جيوب لأراض فضاء داخل المدينة يكبر من حجمها ويرفع من تكلفة خدماتها وهذه تحتاج إلى أن يتم فرض الزكاة عليها وجبيها، وهذا سوف يؤدي إلى تعميرها أو بيعها لمن يستثمرها وهذا سوف يزيد من توفر الوحدات السكنية داخل المدينة. * الهجرة المتكررة من الأحياء القديمة إلى الأحياء الجديدة مع أن بعض العقلاء من الناس اتجهوا إلى إعادة ترميم منازلهم واستمروا في البقاء في الأجيال التي عاشوا فيها. ولو استمر هذا الأسلوب وأخذ به آخرون فسيصبح الاقبال على الأحياء الجديدة أقل جاذبية وهذا سوف يخفض الأسعار ويجعلها في متناول الناس.. * المساهمات العقارية المتعثرة مازالت تشكل مشكلة قائمة حيث ربطت مدخرات أعداد كبيرة من الناس من غامروا ووقعوا في الشرك وهي تحتل مواقع مميزة تصلح لاقامة مشاريع سكنية وتجارية مرغوبة خصوصاً أن الخدمات تحيط بها من جميع الجهات لذلك فإن حل هذه المشكلة سوف ينعكس ايجاباً على المشاريع السكنية في تلك المناطق. * سواحل المملكة في أغلبها لم تصل إليها يد المستثمر وهذا ما جعل تلك السواحل ذات كثافة سكانية منخفضة مقارنة بمثيلاتها في الدول الأخرى. فالبحر الأحمر لا توجد عليه سوى مدن تبوك وينبع وجدة وجازان. أما البقية فهي إما قرى صغيرة أو مراكز وذلك على امتداد يصل إلى (1760) كيلومتراً. هذا مع العلم ان السواحل من أهم المناطق الاستثمارية على مستوى الداخل والخارج. فهل نعي ذلك ونتجه إلى احياء تلك السواحل ونزينها بمدن اقتصادية وصناعية وسياحية أسوة بالجبيل وينبع ورأس الخير وغيرها. إن كل ذلك سوف يفتح فرص عمل وسوف يخلق مناطق سكنية حديثة والساحل الشرقي لا يقل أهمية عن الساحل الغربي فهو يحتضن مدينة (الدمام والخبر والظهران) والجبيل ورأس الخير ويمتد لمسافة (560) كيلومتراً فهل نتجه إلى بناء مدن جديدة عليه تجعله أكثر تأهيلاً من حيث الكثافة السكانية والاستثمارات المختلفة. * بقي الحل الأمثل لأزمة السكن وهذا الحل سوف يقطع كلام كل مغرد أو ناعق أو خطيب من خلال وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي وهذا الحل يتأتى من خلال تكاتف كل من الدولة والقطاع الخاص في حل مشكلة الاسكان وذلك وفق خطة استراتيجية تتمثل في الآتي: * ان تقوم الدولة بتقديم الأرض كمنحة للمطورين العقاريين القادرين وذلك في المناطق التي تصلح ضواحي للمدن في مقابل أن يقوم العقاريون بتطوير تلك الأراضي من حيث البنية التحتية وبناء وحدات سكنية اقتصادية عليها ومن ثم بيعها للمواطنين بنصف التكلفة (أي بعد خصم تكلفة الأرض لأنها قدمت من الدولة منحة من أجل تمكين المواطنين من الشراء ومن أجل خفض التكلفة). وهذا الأمر سوف يكون اجدى وأنفع من منح بعض المواطنين قطع أراض يقوم ببيعها بأبخس الأثمان لهوامير العقار الذين ينامون عليها عشرات السنين ثم يبيعونها بأغلى الأثمان كما هو حادث ويحدث وتظل المحصلة أرضا بيضاء وغبارا يسد الأنوف. إن مثل ذلك التوجه له فوائد عديدة يتمثل بعض منها في: * استبعاد تكلفة الأرض من الحسبان بحيث تبقى التكلفة محصورة في مواد البناء والتنفيذ. * إن مثل ذلك التوجه لا بد وأن يكون مقرونا بوجود وسائل مواصلات فعالة تنقل الناس من الضواحي إلى داخل المدينة بيسر وسهولة حيث أعمالهم وارتباطاتهم وقبل ذلك وبعده فك أزمة الاختناقات المرورية. * تعميم جميع الخدمات في تلك الضواحي من مدارس ومستشفيات وأمن ومرور وبلدية وماء وكهرباء وهاتف ومحلات تجارية تغني عن الذهاب إلى المدينة للحصول عليها ناهيك عن خدمات الهلال الأحمر والدفاع المدني وغيرها. * ان مساهمة الدولة بالأرض سوف يخفض تكلفة السكن لا محالة وقد مرت الدولة في هذه التجربة عندما شجعت الناس على الزراعة فقد كانت تمنح الناس اقطاعات زراعية وتمنحهم قروضا زراعية مما أدى إلى انتعاش الزراعة بصورة لم يسبق لها مثيل حتى تبين الضرر من ذلك والمتمثل في استنزاف المياه الجوفية، أما منح الأرض السكنية والقرض العقاري فقد كان لهما ومازال أبلغ الأثر في توفير السكن إلا أن زيادة عدد السكان ومتطلبات التنمية واتجاه الدولة إلى تبني عدد كبير من المشاريع الاستثمارية سواء كان ذلك على مستوى البنية التحتية أو الفوقية مع محدودية التخطيط السكاني والاسكاني واتجاه تجار العقار ومن في حكمهم إلى تجفيف العروض وتدوير المعروض واحتكار المساحات الكبيرة داخل المدن وخارجها خلق أزمة إسكان حقيقية أصبح يرزح تحتها غالبية السكان من مختلف الأعمار ولهذا السبب وبسبب أزمة انهيار الأسهم (1428ه) وبسبب اتجاه كثير من الناس إلى القروض الاستهلاكية والسكنية وغيرها اضمحلت الطبقة الوسطى التي تعتبر الترمومتر الذي يقيس مدى توازن طبقات المجتمع، مما أدى إلى اتساع رقعة الفقر وانقسام المجتمع إلى طبقتين احداهما مخملية ثرية محدودة والأخرى تمثل الغالبية تعاني من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وزادتها أزمة الاسكان وارتفاع أسعار الأراضي سوءا على سوء مما يتطلب الحراك العاجل للتعامل مع أزمة الاسكان وإعادته إلى التوازن الذي يأخذ بعين الاعتبار مداخيل الناس وقدرتهم على الدفع دون ديون تكبل قدرتهم على العيش الكريم لعشرات السنين. * إن منح الدولة لقطع أراض كبيرة مقرونة بمخططات سكنية نموذجية وممهورة بمواصفات بنائية وتنفيذية من حيث الحجم والمساحة ونوعية المواد ومدة التنفيذ وتسليمها مجاناً للمستثمرين مقابل التنفيذ والبيع على المواطنين بأسعار منخفضة بعد ضمان الربح المناسب للمستثمر، إن كل ذلك سوف يضمن مجموعة من الانعكاسات الايجابية التي يأتي في مقدمتها ما يلي: * توفير سكن مناسب ومريح وبتكلفة معقولة لا تتعدى قيمة قرض صندوق التنمية العقارية المحدد ب(500) ألف ريال ومع الأخذ بعين الاعتبار ان تلك الأراضي الممنوحة لا يجوز بيعها قبل تعميرها. * ان هذا التوجه سوف يزيد من المعروض من الوحدات السكنية وبالتالي سوف يؤدي ذلك إلى انخفاض تكلفة العقارات بيعاً وايجاراً. * إن مثل ذلك التوجه سوف ينعكس على أسعار الأراضي مما يدفع بالمحتكرين إلى التخلص من مخزونهم من الأراضي البيضاء داخل المدن وخارجها مما يمكن متوسطي الحال من استثمار مدخراتهم في مجال العقار الذي أصبح اليوم قطعة من نار تكوي كل من يتعامل معه خصوصاً في ضوء الجشع الزائد وما سببه من انعكاسات سلبية على شعور الناس بالأمان السكني الذي ينشدونه. * إن خفض أسعار العقار سوف يقضي على مجموعة من الاستغلاليين الأفراد والجماعات الذين يضحكون على البسطاء من خلال فتح محافظ استثمارية عقارية ويستأثرون بالأرباح ويدفعون أقل القليل لمن أودع دم قلبه لديهم أملاً في الحصول على ربح مناسب وما المساهمات العقارية المتعثرة إلا مثال واحد على ذلك هذا إذا لم يذهب بالمال كله. نعم ان أزمة السكن أصبحت تقض مضجع الكثيرين فالأسعار مبالغ فيها سواء كان ذلك على مستوى أسعار الأراضي التجارية أو السكنية أو الوحدات السكنية بيعاً أو ايجاراً. وزاد من الطين بلة بروز القروض ذات الفوائد التراكمية والتي لا يدرك كثير من الذين وقعوا فيها الأضرار المترتبة عليها فهي استعمار دائم واستغلال لتدني ثقافة المقترض بما هو مقدم عليه خصوصاً ان فوائد القرض تخصم مقدماً خلال الأقساط الأولى لأن المقترض إذا أراد التسديد بعد مرور سنة أو سنتين يجد انه يسدد رأس المال أما الفائدة فقد تحققت للبنك حتى وإن سدد المقترض قبل حلول المدة المتفق عليها، فهل بعد ذلك غبن أكثر من ذلك. والله المستعان.