الاقتصادية - السعودية لا أظن أنني سأجانب الواقع إن قلت إن الدول التي تتشكل منها الجامعة العربية والتي الأغلبية الساحقة من سكانها عربية اللسان والقومية تمر بظروف عصيبة. قلما هناك بلد إلا ويعاني أزمة شديدة. الأزمة من الشدة إلى درجة تصل فيها الأمور إلى استخدام العنف بشكل غير إنساني وكأن المتصارعين أعداء بالوراثة. والقول إن الدول العربية في أزمة ليس قولا جديدا. إنه يرافق أغلب التصريحات الصحفية للمسؤولين والقائمين على إدارة هذه الدول، حيث بين الفينة والأخرى يصرحون بأن بلدانهم وشعوبهم تمر بظروف عصيبة. وإلى وقت قريب وربما لا يزال كان الخطاب السياسي وأصحابه من الإعلاميين والسياسيين وأصحاب الشأن يلومون الأجانب من إمبرياليين واستعماريين وغربيين ورجعيين ومناوئين وغيرهم على الوضع المزري الذي تمر به بلدانهم وشعوبهم. أي ينسبون مشاكلهم لتدخل قوة خارجية أو معارضة مرتبطة ب "العدو". قلما تقرأ أو تسمع تقريرا محايدا نزيها ذا بعد نقدي موضوعي يحلل الأزمة ويقدم مقترحات واقعية للخروج منها. أغلب الأزمات التي تمر بها الدول العربية وهي كثيرة وخطيرة جدا تتم مناقشتها والتعامل معها وكأنها وليدة لحظتها ولهذا تنأى النظم والمسؤولون الحكوميون والقائمون على دفة إدارة الدول والشعوب عن أنفسهم في إذكائها ويتجنبون مسؤوليتهم الشخصية عن حصولها وتفاقمها. الأزمات التي تمر بها الدول العربية والتي جعلت أغلبيتها تقبع في أسفل جداول الرقي والازدهار والنمو والتمدن والحريات العامة والشخصية وحقوق الإنسان والتربية والتعليم والخدمات العامة وغيرها، تركيبية وتراكمية. تركيبية لأنها ذات علاقة مباشرة بتركيبة النظم السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والاقتصادية وغيرها. كل إصلاح لا يتناول تغير هذه التركيبة صوب الأفضل يفشل. فمثلا لا أظن أن النظم التربوية والتعليمية بمراحلها المختلفة من ابتدائية حتى الجامعية أفلحت في خلق أجيال جديدة تتسامى في نظرتها وسلوكها وطرائق تصرفها وفكرها وفلسفتها عن الأجيال التي سبقتها. فالنظرة إلى الآخر مثلا لا تزال لدى الكثيرين من العرب في مراحلها البدائية لأنه يبدو لي أن منطلقها ديني أو مذهبي أو مناطقي أو عشائري أو عائلي يستند في تفسيره للحياة إلى حرفية تفاسير وفقهيات كانت موائمة لزمانها ومكانها، ولكن قد لا تكون مناسبة للعصر الحديث. إصلاح المشاكل أو الأزمات التركيبية يحتاج إلى صبر وتأن وقيادة حكيمة يحس بإنجازاتها المواطن العادي من خلال الرخاء المادي والمساواة وإحداث تنمية تربوية وتعليمية شاملة ونمو مضطرد يرى المواطن فيه أنه قد تحول بفضل هذه السياسات من حال إلى حال أفضل بكثير، وعندها يبدي المواطن قبولا طوعيا للإصلاح والتغير وإن طال ذلك الكثير ما كان يعتقده أو يتصوره أنه من المحرمات. يخطئ من يتصور أن قرارا سياسيا أو حتى انتفاضة شعبية كبيرة بإمكانها تغير أو إدخال إصلاح ليس جذريا بل حتى جزئيا في التركيبة السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية وغيرها ولهذا أرى أن ما أطلق عليه ب "ثورات" الربيع العربي عاكست تمنيات ليس القائمين بها بل حتى المراقبين من خارج الوطن العربي. والإشكال التراكمي له علاقة مع التركيبي. ترك الأمور على ما هي والعالم حولنا يدور بسرعة فائقة صوب الأفضل والأحسن من خلال تحسين نظمه الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية يجعل عملية الإصلاح أكثر عسرا. يتصور البعض واهما أنهم لو تركوا الإصلاح إلى المستقبل "عقد قادم مثلا" سيكون القيام به أسهل وأقل كلفة. كلا، كلما تركت الإصلاح للزمن، صارت مسألة القيام به أكثر عسرا وأكثر تكلفة وإيلاما. ولهذا ترى أن "المصلحين" من "الثوار" و"النظم" في الدول العربية يتبارون في تحطيم أنفسهم وبلدانهم، حيث أعادوا بعضها إلى عصر ما قبل الصناعة من حيث المعرفة العلمية والتكنولوجية، إما فكرا فأعادوا أنفسهم وشعوبهم وبلدانهم إلى عصر الظلمات. من يتحمل العبء الأكبر؟ بالطبع النظم هي التي يجب أن تحاسب.