الاقتصادية - السعودية أعلنت "الخطوط السعودية" أخيرا نظاماً جديداً لتسعير التذاكر الداخلية، يعتمد هذا النظام على إلغاء درجة الضيافة، واستبدالها بدرجتين هما درجتا u وq، هذه الآلية تتيح ل "الخطوط" زيادة أسعار التذاكر لحدود غير معلنة حتى الآن، ووفق آليات معلنة لكنها غير عادلة. وبررت "السعودية" تطبيق النظام الجديد بارتباطها بتحالف "سكاي تيم"، في إطار توحيد الخدمة بين جميع أعضائه، هذا التعديل، يعني ثبات السعر السابق للرحلات الداخلية فقط في حالة الحجز قبل عشرة أيام من تاريخ السفر، بينما سيتم تطبيق السعر البديل (الأعلى) في حال الحجز خلال الأيام العشرة السابقة للسفر، أو في حال تم حجز 70 في المائة من السعة المقعدية للرحلة، وقد تم الإعلان عن بدء التطبيق اعتباراً من يوم 20 شباط (فبراير) الحالي. يعد هذا القرار سابقة تاريخية في تاريخ "الخطوط السعودية"، التي تعدل فيه أسعارها من دون الحصول على موافقة الجهات الحكومية بحسب تصريح ناصر الطيار وكيل السعودية، نشر في جريدة "الرياض" في 9 شباط (فبراير) الحالي. أتفهم جيداً ما ترمي إليه "الخطوط" من حيث تحفيز ركابها لتنظيم حجوزاتهم، لتحقيق أعلى سعة مقعدية ممكنة لها، وأعلى عوائد يمكن الحصول عليها منهم، بل يعجبني مثل هذا التنظيم الذي يمايز بين المسافر المنظم والمسافر الفوضوي، ويحقق للمسافر المنظم أكبر قدر ممكن من المزايا على حساب الفوضوي الذي يجب عليه أن يدفع غرامة فوضويته. لكن هل ل "الخطوط" الحق في مثل هذا الإجراء؟ وهل الوقت مناسب لمثل هذا التنظيم؟ أما أحقية "الخطوط" في التسعير؛ فلا يراودني شك في عدم أحقيتها في التحرك في الأسعار منفردة، كيف لا وهي الشركة الحكومية المدعومة بكل إمكانات الدولة، من وقود وخدمات وأسعار تفضيلية... إلخ، والأهم من ذلك أنها الناقل الوطني الرسمي الذي يتسمى باسم الدولة، ويتحرك بهويتها، ويتمتع باحتكاريتها، ولا أعتبر طيران ناس منافساً لها حتى الآن، إذ إنه ما زال يحبو وما زالت الكثير من المحطات محتكرة لمصلحة الناقل الوطني. أما التوقيت فغير مناسب إطلاقاً لفرض هذه الزيادة السعرية، لأسباب؛ أولها أنه ما زالت البنية الأساسية للمواصلات البعيدة تعتمد اعتماداً كبيراً على الطيران، في ظل تأخر إنجاز شبكة القطارات، والنقص الحاد في خدمات الطرق. السبب الثاني أن الناس ما زالوا يعانون قلة ذات اليد ولا يتحملون مزيداً من الضغوط في حياتهم المعيشية، خاصة مع الدخل المتضخم للمملكة - ولله الحمد - ولا يعتبر قطاع الطيران من النفقات التكميلية لكثير من الناس. السبب الثالث أن مثل هذا التوجه يتعارض تماماً مع خطط وتحفيز السياحة الداخلية التي يدعو إليها المسؤولون ليل نهار. السبب الرابع أن "الخطوط" لا تعاني المقاعد الفارغة، بل إن المسافرين يعانون عدم وجود مقاعد أصلاً على الرحلات الداخلية، والشكوى على "الخطوط" متزايدة بسبب ضعف السعة المقعدية على رحلات السعودية، ليس بفراغها، لكن لعدم القدرة على استيعاب الركاب الراغبين في السفر. الغريب في القرار عدم الإعلان للجمهور عنه وتوعيتهم حوله، كما أن سرعة التطبيق أمر مريب، فخلال أقل من أسبوعين من معرفة العامة به يتم سريانه. وإذا كان الجزء الأول من آليات التسعير يمكن تفهم أبعاده التي تهدف إلى حث الناس على الحجز مبكراً؛ إلا أن الجزء الآخر من القرار، وهو تعديل أسعار الرحلات بالزيادة عند تجاوز الحجوزات 70 في المائة من السعة المقعدية للرحلة فيه ظلم فادح، ويدل على استغلال بشع للطلب على الرحلات، ولا علاقة له بتنظيم السفر، فإذا كان الراكب مسافرا منظما وملتزما وقام بإجراء حجوزاته قبل الرحلة بشهر أو أكثر، لكن الحجوزات على الرحلة فاقت 70 في المائة فيتم تطبيق السعر الأعلى عليه. ما هذا؟ ولماذا تتم معاقبة الراكب بزيادة التكلفة عليه بذنب لا دخل له فيه؟ هل تتم معاقبة عميل الشركة لأن الشركة لم تقم بواجبها وزيادة أسطولها وسعتها المقعدية؟ لا أبالغ إن قلت إنه بعدد ركاب "الخطوط السعودية" هناك قصص محزنة لهم مع ناقلنا الوطني، ثم تأتي "الخطوط" وبكل بجاحة وتزيد الأسعار عليه. المسافر لا يثق بإجراءات أحادية تتم عن طريق الناقل المحتكر للخدمات، ويتم بناء عليها رفع الأسعار على الجمهور، في سوق لا منافس لهم فيها. أتفهم صدور مثل هذا القرار بعد تسلم أسطول كاف من الطائرات، وتنظيم "الخطوط" واقعها وبنيتها التنظيمية وخدماتها الأرضية والجوية، ودخول منافسين أشداء معها على خطوط الرحلات الداخلية، لكن قبل حدوث ذلك فالقرار ليس له أي مبررات مقبولة. علاوة على ما سبق فإن الزيادة السعرية غير واضحة، ولم تعلن حتى الآن. فهل هو سعر جديد؟ أم شرائح سعرية؟ أم زيادات بنسب معينة؟ هل هي ثابتة أم متدرجة؟ أما السؤال الكبير: هل يحق ل "الخطوط السعودية" المملوكة للحكومة المحتكرة لخدمات الطيران في معظم الرحلات الداخلية أن تزيد أسعارها بقرار فردي وداخلي منها وحدها؟ والطريف في الأمر فهو تعليق الزيادة بارتباط "الخطوط السعودية" بتحالف "سكاي تيم"، الذي قد يكون أكبر منافعه ل "الخطوط" تمرير هذه الزيادة على السذج، فقد تقترح "سكاي تيم" مثل هذه الزيادة، لكن لا يمكن أن تفرضها على الأعضاء، ولا يمكنها أن تتدخل في سياسة التسعير في أسواق داخلية ليس هناك منافسة فيها بين شركات التحالف نفسه عليها، إنما هي سوق خالصة ل "الخطوط السعودية"، وإن كانت هذه هي شروط التحالف فالخروج منه أولى. أرجو ألا تمر هذه الزيادة بالقبول والرضا كما مرت الزيادة السابقة في قيمة تذاكر درجتي الأفق والأولى، فإن كانت تلك خاصة بدرجات يتحملها الأثرياء والوجهاء المختارون لها، فإن الزيادة الأخيرة تمس عامة الناس من الباحثين عن الدرجة المخفضة في الدرجة السياحية، وبإمكان "الخطوط" إيجاد آليات تحفيز إيجابية، مثل غرامات إلغاء الحجوزات المتأخرة وغرامات الحجوزات الوهمية واستخدام الأنظمة الذكية... إلخ، كبديل لإجراء زيادة التكاليف على المسافر، وهو الحلقة الأضعف في منظومة السفر المحلية.