الشرق - السعودية كان قراراً ذكياً وبراجماتياً في الوقت نفسه، عندما وافق مجلس الوزراء الإماراتي على مشروع قانون اتحادي بشأن الخدمة الوطنية الإلزامية للشباب من سن الثامنة عشرة وحتى ثلاثين عاماً، وجعلها للمرأة اختيارية. وعند تطبيق المشروع على أرض الواقع ستنضم بذلك دولة الإمارات إلى دولة قطر التي أقرت الخدمة الإجبارية في وقت سابق من السنة الميلادية المنصرمة. وهناك حديث جدي في دولة الكويت من أجل إعادته مرة أخرى بعد أن تم إيقافه. تلجأ الدول لهذا الخيار لسبب دفاعي بالدرجة الأولى؛ إذ إن بعض الدول لا يمكنها الاعتماد على جيوشها النظامية فقط، إن كان عدد سكانها قليلاً كقطروالإماراتوالكويت، أو أن المخاطر والتهديدات الخارجية حولها كثيرة كحال الكيان الصهيوني، الواقع من وجهة نظره بين دول معادية له وعلى كل الأصعدة. إضافة إلى ذلك، فإن لدى كثير من الدول كما في حالة دول الخليج العربي كلها، بنى تحتية كبيرة، كلفتها مئات المليارات، مما يجعلها في حاجة إلى غطاء عسكري للدفاع عنها ضد أي تهديدات خارجية. فمثلاً، مدينة دبي لها سمعة عالمية كمدينة حديثة ومقصد سياحي مهم، لكن كل بنيتها التحتية مهددة بالدمار الكامل لو أنها لا سمح الله دخلت في نزاع مع طرف عدواني كالذي يقبع في الضفة الأخرى من الخليج، والمحتل لجزر إماراتية والرافض إعادتها لدولة الإمارات، طبعاً هنا أقصد إيران. بطبيعة الحال، التجنيد الإجباري في دول محدودة السكان كالإماراتوقطر لا يمكِّنها من الوصول إلى تحقيق تغطية أمنية كاملة أمام المخاطر الخارجية الكبيرة. لكن لمثل هذا القرار فوائد كثيرة، منها: أنه يزيد من كفاءة تلك الجيوش خصوصاً وهي تمتلك أسلحة حديثة وقوة بشرية حسنة التدريب. أيضاً اتحاد هاتين الدولتين مع دول الخليج الأخرى في مواجهة التهديدات الخارجية سيجعل منها جميعاً قوة رادعة جيدة، أمام القوى الإقليمية الأخرى. في حالة المملكة هناك مطالبات قديمة وكثيرة، لإقرار الخدمة الوطنية الإلزامية. ولهذه المطالبات مشروعيتها وحججها القوية؛ فالمملكة بعدد سكانها القليل نسبياً، بالاعتبار لمساحتها الجغرافية الكبيرة، وبخيراتها الطبيعية الهائلة، وبمكانتها الدينية المهمة، والأهم من ذلك كله المخاطر والتهديدات الخارجية المحيطة بها. بلا شك أن للمملكة مكانة إقليمية مهمة على كافة الأصعدة. فنسبة عدد القوات العسكرية السعودية بالنسبة لكل ألف مواطن، كما يوردها موقع الويكيبيديا، هي حوالي 6.80 لكل ألف شخص، وبالمناسبة هناك دول مثل إسرائيل وسنغافورة تهتم كثيراً بقوات الاحتياط، اللتين تحتفظان بعدد كبير منها. وهذا أمر مهم يتوافق مع روح العصر. فالدول الآن ليست في حالة حرب دائمة كما كانت حال كثير منها في القرون والعقود الماضية. فلقد أمست مكلفة جداً ونتائجها وخيمة على الجميع. لذلك فإن معظم الدول لا تريد من جيوشها أن تكون قوة هجوم ولكن قوة ردع ضد أي معتدٍ، أو طامع. أي بمعنى آخر معظم دول العالم تتجه نحو الدفاع المحض لا أكثر. أضف إلى ذلك أنه بسبب موقع المملكة في قلب الجزيرة العربية، وإحاطتها بدول تقع على خط التهديدات الأمامي سواء دول الخليج في الجهة الشرقية للمملكة أو الأردن في الجهة الشمالية. كل هذا يحمِّل المملكة عبأً عسكرياً إضافياً. فأمن الخليج كله مرتبط بوضع المملكة الدفاعي والسياسي. فالمملكة هي العماد والمدد لدول الخليج، وهي الحاضنة والضامة لها والداعمة لها ضد الأطماع التوسعية الإيرانية. ومثال على ذلك، عندما احتلت الكويت، عاد أمر الدفاع عنها للمملكة أولاً. وعندما حصلت الاضطرابات في البحرين، تحملت المملكة ودول الخليج مسألة الدفاع عنها. ومن أهم النقاط التي يحققها التجنيد الإجباري، هي تكوين العقيدة القتالية للمجتمع. أي بمعنى آخر، تُعلم الشعب كيف يستخدم السلاح ويتعود على رائحة البارود وعدم مهابة الموت لدرجة تجعله يفر منه تاركاً كل شيء وراءه، مثلما حدث أثناء التطوع في حرب الخليج، وهذا سوف يكون له أثر أيضاً في تركيبة المجتمعات بجعلها أكثر اخشوشاناً، بدلاً من المداومة على الدعة والترف، كل شيء يحصل بالتعلم؛ فكما أن الحلم بالتحلم والصبر بالتصبر، كذلك الحرب تكون من خلال التشجع. أضف إلى ذلك، أن التجنيد الإجباري يتناسب مع طبيعة المجتمع العربي للمملكة، فأهل هذه البلاد يحبون فطرياً الفروسية والشجاعة. ومن ضمن هواياتهم القنص والرحلات البرية.