الوطن - السعودية شعرت بالفخر وسعدتُ كثيرا بما فعلته الملحقية الثقافية السعودية والمبتعثون السعوديون في واشنطن مؤخرا، بتكريم رجل دين يهودي هو "الحاخام ميخائيل بيو"، وقد تم تسليمه شهادة شكر باسم السعودية، لجهوده في خدمة ومساعدة الطلاب السعوديين في أميركا، وكما أوضح رئيس النادي السعودي في جامعة بوسطن يوسف الراجحي لصحيفة الحياة التي نشرت الخبر، أن الملحقية تقدم شهادات شكر لأي شخص يدعم الطلاب السعوديين، والحاخام مخائيل بيو دائما يقف في صف الطلاب السعوديين، فهو أول من طالب إدارة الجامعة بتوظيف إمام للمسلمين وإقامة صلاة الجماعة لجميع الأوقات، والحاخام بدوره مما قاله إن الطلاب والطالبات السعوديين في أميركا من أفضل الطلاب المبتعثين على صعيد التعامل بأخلاق حسنة وطيبة. مثل هذه العلاقة الإنسانية المتسامحة التي عززتها الملحقية السعودية في واشنطن والطلاب السعوديون بشكل مشرف يجب دعمها، فمن أسمى علامات التحضر الإنساني الذي يعززه ديننا العظيم وعلمنا عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم هو تعزيز مبدأ التعايش الإنساني، وأن خير رسالة عن ديننا هو ما يصدر عنا من تعامل نبيل وأخلاق حسنة، هكذا انتشر الإسلام، وإندونيسيا التي بها أكبر نسبة للمسلمين في العالم تقدر ب200 مليون، لم يدخلها المسلمون فاتحين ومجاهدين بحد السيف، كما يزعم المحرضون المتشددون ممن لا يعرفون سوى ثقافة الدم في التاريخ الإسلامي، بل انتشر بتعامل المسلمين المهاجرين الحسن، هذا ما ينبغي أن نعرفه ونعمل عليه. حقيقة، هذا الخبر جعلني أعود بذاكرتي قليلا للوراء، وتذكرتُ زميل دراسة فرنسي يهودي يُدعى "ديفيد"أو "داود" كما كنتُ أناديه في الفصل بأحد معاهد "اللغة" في نيويورك منذ ما يزيد عن عامين، ولا أنسى له موقفه معي في مناقشة زميلة أوروبية ملحدة قالت أثناء الدرس، إن القرآن الكريم من كتب الأدب والتراث، فأثارني ذلك وبدأت مناقشتها برفض الفكرة ومحاولة تصحيحها بأنه كتاب سماوي؛ وإن كانت لا تؤمن به فعليها احترام اعتقادي به، فانبرى معي في النقاش "داود" بحماس، ومما قاله لها أمام الجميع بالفصل دفاعا عن القرآن الكريم "بما أنك اخترتِ أن تكوني ملحدة فلا يعني ذلك أن تسيئي لمن لا يشاركك ذلك، وما قلتِه غباء، فالقرآن كتاب سماوي مُنزل من الله للعرب المسلمين مثله مثل التوراة والإنجيل وعليكِ احترام هذه الكتب جميعها أمام من يؤمنون بها وإن لم تؤمني". أخيرا، ربما هناك من سيعارض هذا التكريم نتيجة الجهل والتشدد، وقد يستغله بعض المضطربين فكريا برؤيته بطريقة متشددة، فما يزال كثيرون لا يعرفون أن هناك فرقا كبيرا بين اليهودية كدين يجب علينا كمسلمين أن نؤمن بنبيه وكتابه كدين سماوي ونحسن لمن يتبعه ممن هم آمنون وفي ذمتنا، وبين الصهيونية كمنهج سياسي متطرف دينيا وعرقيا، بل هناك من لا يعرف بأن عددا غير قليل من اليهود في أميركا والعالم معارضون للصهيونية وإسرائيل، ويرفضون قيامها ويعدّونها خارقة لمعتقدهم الديني الصحيح، بخلاف المتطرفين ممن يعتنقون الصهيونية، وانطلاقا من هذا علينا أن نفرق بين هؤلاء وهؤلاء جيدا، ولا نخلط الحابل بالنابل، والأهم أن نعزز جميعا مبدأ التعايش الإنساني الذي ينهض على السلام والرحمة والأخلاق، وهو جوهر الإسلام العظيم.