القبس - الكويت لا أغبى من سؤال يجابهنا به بعض المصريين كلما كتبنا شيئا عن مصر، ما شأنكم بها؟ أو كما يصيغونه بلهجتهم الجميلة: أنتم مالكم ومال مصر؟! أعرف طبعا دوافع المصريين، وهم ينكرون علينا جميعا كعرب، التدخل في شؤون مصر، كما لا نفعل بهذا الشكل المشاعي تقريبا مع أي بلد عربي آخر. لكنني لا أتقبل تلك الدوافع المعتمدة على مقارنة مصر بغيرها، وكأن مصر كغيرها، والناتجة كما يبدو عن حالة من التشويش والقلق والحنق أيضا التي يمر بها جميع المصريين نتيجة ما حدث لثورتهم من تداعيات على مدى ثلاث سنوات حولتها من أجمل ثورة عربية وربما عالمية الى حالة غير مفهومة تماما ومن قبل جميع أطرافها وفرقائها أيضا. في أعقاب نجاح ثورة 25 يناير 2011 بيومين فقط نشرت مقالة بعنوان «مصر هبة المصريين»، قلت في بعضها: «.. والمصريون، أولئك القوم الصابرون على ابتلاءات السياسة، بالرغم من ابتسامات الطبيعة، على مر الأزمان، المكافحون بفيض الابداع، وسيول الضحك والفرح وأنهار الفنون والآداب والعلوم، الضاربون في كل فج عميق من الجمال والاحتمال، الفنانون، التاريخيون، الحضاريون، الشعراء والروائيون، العلماء، السياسيون، المناضلون، الحمالون للأسية والاسى، الكادحون، الطيبون.. قرروا أخيرا أن يقولوا كلمتهم الحرة، وان يتحدثوا بصوت عال، وان يستثمروا مواهبهم كلها في استرداد حريتهم وشخصيتهم، وأن يقفوا حراسا على حافة نبع روحهم الجميلة. نضال الفيسبوك والتويتر واليوتيوب وغيرها من أدوات التكنولوجيا الحديثة ووسائلها، التحم مع نضالات الشارع. ويوما بعد يوم، رجالا ونساء، شبابا وشيوخا وأطفالا، أقباطا ومسلمين، في الداخل والخارج، كلهم.. كلهم، قرروا ان يتوحدوا قصدا، هم المتوحدون في طبيعتهم وفطرتهم القديمة، وأن يصدحوا بتلك الكلمة السحرية المكونة من حرفين فقط؛ لا. صدحوا بها ليلا ونهارا، ورددها خلفهم من وراء الشاشات التلفزيونية والالكترونية الكثيرون ممن تماهوا مع الثورة الشابة في كل بقاع الأرض، فأزهرت هذه ال«لا» الكثير من «الورد اللي فتح في جناين مصر». صار للثورة قلب اسمه ميدان التحرير، وتحول ذلك القلب الى بؤرة للرفض النابض بالغضب والأمل والمغذي للصورة بدم الشباب في كل مكان مصري وعربي ايضا..». وعدت اليوم لأقرأ تلك المقالة بعد مرور ثلاث سنوات على كتابتي لها، فأجد أن معظمها ما زال صالحا للنشر رغم اختلاف مآلات الثورة وتنازع أهلها فيما بينهم، وتصدر الذين كانوا ضدها للمشهد الاحتفالي في ذكراها الثالثة رقصا على أشلاء من قتل من أبنائها، وغناء على أهواء الساسة والسياسيين، وتفويضا لحكم العسكر الذي قامت الثورة غضبا من سلطتهم ورفضا لحكمهم. ما الذي يجرى في مصر الآن؟ بل ما الذي يجري منذ ثلاث سنوات بالضبط؟ سؤال إجابته سهلة إن راقبنا ما تبثه الفضائيات المصرية والعربية من مشاهد حية لما يجري على الأرض أمام عدسات الكاميرات، لكن ما يجري أمام العدسات لا يكفي للفهم، والإجابة المعتمدة عليه لا تبدو إجابة حقيقية ولا صادقة. ليس فقط لأنها مشاهد متناقضة بتناقض الشاشات التي تبثها وحسب، ولكن أيضا لأننا نتابعها في ظلال ما رصدناه من تحولات مشينة في المواقف لكثير ممن كنا نحترمهم ونعتد بآرائهم وتفسيراتهم وتحليلاتهم للثورة. وبالتالي فليس أمامنا سوى استخلاص فهمنا الخاص للمحنة المصرية الراهنة والمشاركة فيها بالرأي على قدر هذا الفهم مهما اعترض المعترضون وكرروا سؤالهم الغبي!. @saadiahmufarreh