المصري اليوم - القاهرة الثورة دين، لا قادة فيه ولا زعماء، ومن هوى الزعامة فيها ارتد إلى أسفل سافلين وبنا هوى. في الثامن والعشرين أقبلنا على موت لم نصله، سرنا في درب اخترناه رفيقا، تحيط بنا صرخات نشوة بالنصر الذي يقترب مع كل خطوة نخطوها تجاه الميدان، كنا الأعلَين يومها، وماعدانا تتخبط أرواحهم داخل زجاج أجسادهم المعتم، مطلقين اتهاماتهم قبل رصاصهم نحو صدورنا. (ما كان بأيدينا يوما التوقف، وما كنا بخونة لمن رفعوا، فما صح الصمت، ولا أفلح الكلام) فطوبى لمن رفع ولم يستدل على قبره، وسلام على من لم تعرف أسماؤهم ولم تحفظ ابتساماتهم... على من ارتقوا غرباء، ومن بقي غريبا. وما كسرنا غير مترفينا ... الذين تحالفوا، عندما لم يصح التحالف، فوق دم لا تفاوض فوقه، وهو الخط الذي إن تجُووز خانوا. فائتلفوا، وتحالفوا، وخرجوا يسفهوننا، مسفهين كلماتنا، متناسين دماءً سكبت تصرخ الثأرَ، فخنقوا الكلمات ائتلافا، وغسلوا الدماء من على الطرقات، كي لا تذكرهم. اختاروا الارتماء في أحضان عسكر، والتفاوض مع من خانونا في الثاني من فبراير، وتركونا نحمي الميدان بأجسادنا. واحتفلوا في الحادي عشر من فبراير وظنوا أنهم ما عادوا بغرباء، وبكينا ﻷننا ما زلنا غرباء.. نصلي على ثورة ميدانها قبلة مؤمنيها، وشهداؤها قديسو من تبقى .. كانوا على عجلة من أمرهم، ليلحقوا طاولة التفاوض على كعكة الثورة, التي خبزت بأزكى الدماء،بكثير من السذاجة والحمق وانعدام الرؤية، تركوا المبادئ التي علقت لا فتة بطول مبنى من اثني عشر طابقًا .. مكتوبًا عليها: مجلس رئاسي مدني أو مختلط بديلا عن مبارك .. (وتم التوافق على أغلب اﻷسماء وقتها في الميدان). دستور بديل عن دستور مبارك .. (يضمن الحرية والعدالة الاجتماعية لمختلف المصريين). تطهير الداخلية .. (وتم تقديم الكثير من المشاريع لتطهيرها، من أهمها مشروع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية). تطهير القضاء والنيابة .. (وطرح اسم المستشار البسطويسي كوزير للعدل والمستشار أشرف البارودي نائبا عاما). محاسبة رموز الفساد .. (وتم تقديم أكثر من مشروع بقانون، لكن ضرب بها عرض الحائط). عدالة اجتماعية .. (بضرائب تصاعدية حقيقية، وإقرار الحد الأدنى للأجور، ومراجعة تضخم ثروات البعض بلا منطق). قلب هرم السلطة.. فيكون الشعب هو رأسه والحكام أسفله، فيعلو صوت الشعب فوق صوت الحكام، لكنهم طمعوا في أن يكونوا هم الحكام فارتاحوا في مقاعد خلقت وهمًا ليُخدعوا بها، وخُدعوا.. قطّعت لافتة الحلم وديست بأقدام رفاقنا قبل أعدائنا. وعدنا للميدان مارس وإبريل ويوليو... إلى أن أتى محمد محمود .. كانت المفارقة أن محمد محمود كان بوابتنا التي تمسكنا بحراستها منذ اليوم الأول، حتى اعتصام يوليو، لم نعلم أن بوابتنا هي من سنظل نحميها وسيظل شارعها ينادينا شهداءً ومصابين.. يرفع منا من يرفع، ويدعون هم لانتخابات مجلس شعب وبعده رئاسة، أخبرناهم أنه لا انتخابات على دماء، فأعطونا ظهورهم متهمين إيانا بالمراهقة، وأننا أدمنا الأدرينالين الناتج عن الاشتباكات.. «ننزل ننتخب، ونرجع الميدان!».. أخبرناهم وسجلت كلماتنا أن الانتخابات ستسقط، ومعها حلمهم في الكرسي، فأسقطونا من حساباتهم، واستمروا في المسير ناحية وهم السلطة. والآن ندفع ثمن غرور وغباء وجشع ممتزج باستعلاء البعض، من قبل، وتخبطهم ومحاولاتهم العبثية التكفير عن أخطائهم بأخطاء أكبر وأكثر فداحة الآن. لم نعد فقط بين شقي رحى متمثلي في النظام الحالي والإخوان، أصبحنا في مفرمة ترساها الكبيران اﻹخوان والنظام الحالي، والتروس الأصغر هم أصحاب الصوت العالي، الباحثون عن أي حركة تثبت وجودهم، مع انعدام القدرة على تحليل أي مستقبل، قريبا كان أو بعيدا. من ناموا من قبل في أحضان الترسين الكيبيرين، يودون التكفير عن أخطائهم، بتحطيم من تبقى منا قابضا على جمر الثورة، منتظرا وعدا يعلم أنه حق، ويعلم أنه آت، مهما طال انتظاره. فصلاة على شهدائنا، حين هبطوا الميدان، وحين أصيبوا، وبعد أن رفعوا شهداء. وسلامًا على الغرباء، من ارتضوا الثورة دينا، والشارع سبيلا، والنصر غاية ستدرك ولو بعد حين. على من عجز وفقد أطرافه، ومن شل وأٌلقي في طرقات مراكز تأهيل، طرد منها إلى الشارع، ولم يجد قوت يومه. وغفرانا ننشده من كل أم أخبرناها أن حق ابنها معلق في رقابنا، فقطعت رقاب الكثير منا، وما عدنا غير ظلال تمضي بدون أجسادها.. لا نبتئس ولا نحبط، بل نجر أحلامنا مضفورة بكلمات من سبقونا. نحارب العبث بالجنون، فاستحال جنوننا عبثا، وعبثهم فجرا .. و الآن لم يصبح لدينا غير الثبات، أخطأ بعضنا، وصمت الآخرون عن أخطائهم، ولم نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب أعداءنا، لم يعتذر المخطئون منا عن خطئهم، ولم يطلبوا المغفرة بل استمروا وتركناهم، وركنا إلى أحزاننا، خالقين أحزانا جديدة، ندور في دوامتها ولا نقف للحظة، نطهر أنفسنا وصفوفنا. لم نتفق على رؤية للغد، تخاصمنا، وتفرقنا، وفي كل اجتماعاتنا تعلو المصالح الضيقة، العقائدية السخيفة، والخلافات الشخصية التافهة، على اللحظة الفارقة في تاريخ البشر. ما زالت الفرصة متاحة لوحدة الغرباء ممن لم يرتموا في أحضان مجلس عسكري أو إخوان، تنادي علينا: أنا الأخيرة، فاغتنموني.. لنعيد الإصرار على أهداف علقت في منتصف الميدان، ويخرج من بيننا حراس لتلك الأهداف، لا لكي نقف في وجه أحد، أو ننتصر فقط على أعداء لثورتنا، بل لنطهر أرواحنا ونرحم ضعفنا وحزننا وأحلامنا الموؤودة في الرحم. جددوا إيمانكم في الثورة، قبل أن تبتلع في جوف الهلاك.