الشروق - القاهرة اللافت للانتباه أن مرحلة الانتخابات الرئاسية أيا كان ترتيبها كانت تشغل الحيز الأكبر من اهتمام المصريين منذ الثالث من يوليو ولم يفلح أى حدث آخر فى احتلال هذه المكانة، سواء أكان ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية أو الأداء الضعيف للحكومة الحالية، أو استمرار الشغب الإخوانى فى الشارع أو غير ذلك. الأمر متعلق بطبيعة هذا الشعب كما ذكرنا من قبل، أو بسبب إصرار أجهزة الإعلام المختلفة على أن يتصدر الحديث عن الرئيس القادم المشهد السياسى، ما بين استطلاع آراء الأحزاب حول خياراتها فى دعم مرشح رئاسى بعينه وهذه اشتركت فيها كل وسائل الإعلام تقريبا، أو مبالغة كثير منها فى الحديث عن أن ترشح الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع الحالى تحديدا للانتخابات القادمة سيمثل حلا سحريا لكل مشاكل المصريين، وهذه نقطة فى غاية الخطورة. وفى هذا الصدد يشترك الحريصون على حياة سياسية ديمقراطية صحيحة فى مصر فى النظر بقلق بالغ إلى مجموعة من القناعات التى باتت أكثر رسوخا من ذى قبل فى وجدان قطاع ضخم من الشعب المصرى بشأن منصب الرئيس القادم؛ وازداد عدد المؤمنين بها بعد تجربة نظام مرسى المخيبة للآمال. إحدى هذه القناعات، حتمية أن يتولى إدارة البلاد شخصية تنتمى بصورة مباشرة إلى المؤسسة العسكرية بالمقام الأول أو إلى واحدة من المؤسسات الأمنية على أقل تقدير، ووفقا لهذه القناعة فهذا هو السبيل الوحيد للتأكد من أن الرئيس القادم لن يعمد إلى الاصطدام بمؤسسات الدولة العميقة فى سعيه إلى الإصلاح أو التغيير، وفى نفس الوقت فإن هذا هو أيضا السبيل الوحيد للتأكد من انسجامه التام مع الأجهزة الأمنية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية وضمان احترامها له، مما يعنى عمليا فرض الاستقرار وتلاشى شبح الفوضى وتنازع المؤسسات الذى عانى منه المصريون خلال السنة الماضية. صحيح أن هذه القناعة تجعل التبارى على منصب الرئاسة ينحسر نظريا فى أربعة أسماء، ثلاثة منها تنتمى للمؤسسة العسكرية وهم الفريق السيسى والفريق عنان والفريق شفيق، ويضاف إليهم اللواء مراد موافى رئيس الاستخبارات العامة الأسبق، لكن هذه القناعة تأخذ إطارا أكثر تحديدا حينما يتعلق الأمر بالفريق السيسى، ووقتها يضاف إليها قناعة أخرى ساعد فى تشكيلها إعلاميون وكتاب رأى ورجال أعمال ومجموعات مصالح، رسخت لدى الشغوفين بالسيسى أنه وحده القادر على انتشال المصريين من أزمات اقتصادية وأمنية غير مسبوقة. قناعة الكثيرين بأن كاريزما الرئيس القادم وصلابته وقدرته على الحسم تكفى وحدها ليكون مؤهلا لقيادة البلاد بغض النظر عن رؤيته السياسية والاقتصادية وجهازيته لطرح حلول مبتكرة للأزمات المزمنة، أو النظر إلى قوة وتنوع الفريق الرئاسى المعاون له، ستمثل عائقا حقيقيا أمام استئناف حياة ديمقراطية سليمة تعلى من قيمة المؤسسية وتقلل من شأن النزعة الفردية. بل إن سقف طموحات المصريين بشأن المتوقع من السيسى ارتفع إلى حدود غير منطقية تجعل ترشحه نفسه مقامرة محفوفة بالمخاطر خاصة مع شعب نفد صبره على رئيس منتخب بعد عام واحد من تقلده المسئولية، وينتظر بنفس الحماس أن يرى من السيسى التغيير الجذرى منذ اليوم الأول.