الكويتية - الكويت الديمقراطية، تعريفاً، هي حكم الشعب لنفسه.. وكلنا يعرف أنها مشتقة من كلمتين باللغة اللاتينية، هما «ديموس، أي الشعب» و«كراتوس، أي السلطة»، أي سلطة الشعب.. ولكن حتى من اخترعوا هذا المصطلح، لم يعملوا به بشكل حقيقي، والكلام عن القرن الخامس قبل الميلاد.. صحيح أنهم طبقوا الديمقراطية، ولكن الصحيح أيضا أنهم استثنوا العبيد والنساء من المشاركة السياسية، وبالتالي كانت ديمقراطيتهم «أرستقراطية»، بشكل من الأشكال، والأرستقراطية تعني «حكم النخبة».. وطالما نتحدث عن نخبة، فهذا يعني فئة من الشعب، وليس الشعب كله.. ووفق القواميس، فالديمقراطية شكل من أشكال الحكم، وبالوقت نفسه يمكن إطلاقها على مجتمع من المجتمعات.. أي أننا نستطيع أن نقول دولة ديمقراطية، ونستطيع أن نقول مجتمعا ديمقراطيا، وأتذكر أنني عندما كنت في لندن أوائل تسعينيات القرن الماضي، تابعت الانتخابات البرلمانية التي أتت بالعمال للسلطة، وبصاروخهم العابر للقارات توني بلير، تحديدا يوم 2 مايو 1997 وكان عمره 44 سنة إلا أربعة أيام، لأنه من مواليد 6 مايو 1953، وبات حينذاك أصغر رئيس وزراء في تاريخ بريطانيا منذ عهد روبرت جنكسون، الذي تولى الحكم عام 1812، ولكن المحافظ ديفيد كاميرون حطم الرقم في مايو 2010، وكان عمره 43 سنة وخمسة أشهر (مواليد 9 أكتوبر 1966). ما يهمني في الموضوع أن حزب المحافظين في انتخابات 1997 كان يعول على رجله القوي وزير الدفاع مايكل بورتيلو، الذي تحكم بميزانية قدرها 22 مليار جنيه إسترليني، كي يكون القائد الجديد لحزب المحافظين، ولكن هذا الرجل خسر الانتخابات في دائرته الانتخابية إنفيلد ساوثغيت أمام رجل مغمور عمره 31 سنة اسمه ستيفن تويغ لم يسمع به حتى أهل «فريجه»، ولكنه فجَّر أكبر مفاجآت العصر، بفوزه على وزير الدفاع بروتيلو، في اليوم الذي أطلقوا عليه «الأربعاء الأسود»، وأنهى 18 سنة من حكم المحافظين، ويومها صافح بورتيلو الشاب الفائز عليه، والذي أنهى حياته السياسية إلى الأبد بقوله «إنها الديمقراطية»، ومازلت أتذكر هذه الكلمات حتى يومنا هذا.. وللعلم، فقد بات بورتيلو زميلا في مهنة الإعلام، وله برامج تلفزيونية، ويكتب في عدة صحف محلية وعالمية (ربما ينضم إلينا في «الكويتية»، لو شد الهمة زميلنا ماضي الخميس وبحبح جيبيته قليلا). كل هذه المقدمة «الصميدعية»، وكل هذه القصص البريطانية، حتى أصل لفكرة واحدة وحيدة أردت قولها، وهي أنني ضد الديمقراطية.. والأكيد سيرفع البعض حواجبهم استنكارا، ويقولون: «شنو يقول الخبل هذا؟» . فبرأيي الشخصي، إن من أول مبادئ الديمقراطية، هو الشعور بالمسؤولية الجمعية أو الجماعية قبل الفردية، والإيمان أن الصوت الذي يؤهلنا للانتخاب أمانة، وليس سلعة نعرضها على من يدفع أكثر، أو يؤمّن مصالحنا الشخصية أكثر، أو من سيتوسط لنا لاحقا.. من هذا المنطلق، أنا ضد الديمقراطية التي تأتي بأشخاص إما «إمّعات»، أي يكونون واجهة لأشخاص آخرين متنفذين، أو يكونون من أصحاب التكتلات والتكتيكات.. وبالتأكيد أنا مع الحرية والديمقراطية المسؤولة التي تحترم أول ما تحترم صوتي الشخصي وتصونه من العبث والفساد والنفاق والتكسّب.. ولكننا للأسف حتى يومنا هذا لم نعرف -كعرب- المعنى الحقيقي للديمقراطية، ولا معنى أن يخسر وزير دفاع له هيبته وعلاقاته أمام شاب مجهول فقط، لأن الناس «طهقت» من الوجوه العتيقة، وأحبت أن تغير من دون تكتلات ولا شراء أصوات ولا حسابات نفعية أو شخصية مستقبلية.. هم فكروا بمستقبلهم الجماعي، وليس الفردي، وهنا كل بيوت القصيد. -- T: @mustafa_agha