العرب القطرية في تقرير نشر في مجلة ال «فورين بوليسي»، وكتبه جون حنّا المستشار السابق للأمن القومي لنائب الرئيس الأميركي «دك تشيني»، يقول بما يعكس مستوى التجاهل الأميركي للسعودية ومصالحها ومخاوفها، إن الرياض علمت بقرار أوباما إلغاء الضربة العسكرية على الأسد عبر ال «سي.أن.أن»، وكذلك علمت بعقد الصفقة الأميركية-الروسية حول الكيماوي السوري عبر ال «سي.أن.أن»، وعرفت بقرار قطع الدعم العسكري الأميركي لمصر عن طريق ال «سي.أن.أن» أيضاً، وأخيرا وليس آخرا على ما يبدو علمت الرياض أن مجموعة خمسة زائد واحد على وشك توقيع اتفاق مع إيران آنذاك -وهو أمر سيئ للغاية بالنسبة لها- أيضاً عبر ال «سي.أن.أن»! هذه الفقرة كفيلة بأن تعكس لنا الواقع السيئ بين واشنطن ومن يفترض بهم أنهم حلفاؤها, أو على الأقل شركاؤها في المنطقة. التطورات المتلاحقة على الساحة العالمية ولاسيَّما في منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الأخير وتحديدا السنوات الثلاث الأخيرة من هذا العقد تشير إلى ثلاث حقائق. أولا: هناك تبدل في أولويات واشنطن, يتبعه إعادة ترتيب الملفات العالمية تبعا لما يخدم مصلحتها. وعليه فإن منطقة الشرق الأوسط أصبحت في منزلة أقل أهمية مما كانت عليه سابقا، بل في المرتبة الأقل أهمية على الإطلاق اليوم في سلّم أولويات البيت الأبيض. هذا لا يعني أن واشنطن ستنسحب من المنطقة تاركة فراغاً خلفها، وإنما يتم ذلك وفق سلسلة من الترتيبات الإقليمية التي تتيح توزيع الأعباء والمهام على عدد من اللاعبين الإقليميين, على أن يكونوا قادرين على تسلّم المهمة وحماية وصيانة مصالح الولاياتالمتحدة. تاريخيا كانت إيران تقوم بهذا الدور في الخليج، ولا يجب أن نستبعد إعادة هذا الترتيب أبداً, وإن احتاج إلى وقت لاحقا. ثانيا: أهمية دول مجلس التعاون تتراجع بالنسبة لواشنطن. ورغم أن البعض لا يزال يعتبر أن دول مجلس التعاون الخليجي ستبقى مهمة مستقبلا لأميركا والعالم نظرا لاحتياطيات النفط والغاز الكبيرة التي تمتلكها, ولأن حفاظ أميركا أيضاً على إنتاجها من النفط والغاز الصخري لن يدوم طويلا قبل أن تعود وتفقد موقعها كأكبر منتج للطاقة في العالم, فإن أصحاب هذا الرأي، ينسون أنّه في ذلك الوقت، قد تتحول دول الخليج نفسها إلى مستوردة للطاقة! بعض التوقعات تشير إلى أن السعودية ستتحول إلى مستورد للطاقة خلال 20 سنة فقط، ناهيك عن تجاهل قدرة دول أخرى كإيران والعراق على رفع إنتاجها بشكل يضعف من مكانة دول مجلس التعاون الخليجي, خاصة أن إيران على سبيل المثال، سيكون لديها من الطاقة النووية ما يغنيها عن استخدام النفط, وبالتالي تحويل الكمّية للتصدير. ثالثا: الولاياتالمتحدة لا تريد خوض حروب خلال هذه المرحلة من التاريخ، إذ لا إرادة للذهاب ولا قدرة على تحمّل التكاليف المالية والأعباء الناجمة عن خوض حرب في ظل ظروف صعبة تعيشها خلال العقد الأخير. وقد أظهرت التطورات خلال هذا العقد هذا الافتراض, وأكّدته الثورة السورية والملف النووي الإيراني. ماذا تعني هذه المعطيات الثلاثة؟ تعني أنه سيحصل عما قريب إعادة تشكيل للتحالفات، حيث سيحظى بعض الحلفاء بأهمية متزايدة, وستنخفض أهمية حلفاء آخرين, وسيتم الاستغناء عمن بقي في ظل المعادلة الأولى. أما المعادلة الثانية فهي تعني أن دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية تحديدا آخذة في خسارة أوراق القوّة لديها مع مرور الوقت لصالح لاعبين آخرين أكثر قدرة على صيانة مصالحهم ومصالح واشنطن في المنطقة.أما المعادلة الثالثة، فهي تعني أنه إذا كان هناك من قرار لدى المملكة من شأنه أن يغيّر من المعادلات الإقليمية (كالإطاحة بالأسد) أو يحد من المعادلات الجاري تكوينها بين أميركا وإيران، فيجب اتخاذه الآن وبشكل علني وواضح، وأن يتم التصرّف بعد ذلك بناء على هذا التشخيص, حتى إن أدى ذلك إلى المساس بمصالح واشنطن في المنطقة. ومن الممكن في هذا الإطار، تحويل التحدي الناجم عن الاتفاق بين روسيا وأميركا، وبين أميركا وإيران في الشرق الأوسط, إلى فرصة من خلال إعادة النظر في ثلاثة ملفات أساسيّة: الملف الأول هو ملف جعل الشرق الأوسط خاليا من أسلحة الدمار الشامل. فإذا كانت واشنطن تفاخر أنّها حوّلت موقفها من ضرب النظام السوري لأنه سلّم سلاحه الكيماوي، وأنّها ذهبت إلى اتفاق مع طهران كي تمنع إنتاجها للسلاح النووي، فهذا يعني أنّ هناك فرصة حقيقية لاختبار مصداقية أوباما على ادعاءاته تلك, من خلال إقحام موضوع النووي الإسرائيلي في المعادلة. أي مبادرة سعودية في هذا المجال ستلقى من دون شك دعم كل دول المنطقة دون استثناء, بما فيها إيران، وهذا سيعيد الاعتبار للسعودية من جديد. الملف الثاني هو ملف عمليّة السلام. فإذا كانت إدارة أوباما قادرة على نسف أسطورة تأثير اللوبي الصهيوني على قرار البيت الأبيض من خلال إسكات هذا اللوبي وإسكات الكونجرس والذهاب عكس إرادة هذه القوى إلى صفقة مع إيران، فهذا يفترض أنها يجب أن تكون قادرة على إسكات هذا اللوبي أيضاً في مواضيع أخرى, والضغط باتجاه فرض السلام على إسرائيل بالشروط المناسبة. الملف الثالث هو ملف التحالفات الإقليمية. التوازنات الإقليمية تتم إقامتها عادة من خلال توازن القوى، وعادة ما يتم تخطي ذلك لصالح إقامة تحالفات ثنائية أو متعددة الأطراف. من الواضح اليوم أن السعودية بحاجة إلى مراجعة سياسة تحالفاتها الإقليمية بشكل عاجل، لاسيما أن مشروع الاتحاد الخليجي يبدو أشبه بالحلم في ظل المعطيات الأخيرة. ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف من دون تحديد الأولويات، والتفريق بين العدو الحقيقي والمصطنع، لأن الأخير هو استنزاف للطاقات والقدرات والمال والوقت والجهد. فلا يمكن للمملكة منطقيا أن تعتبر الجميع خصومها (الثورات خصم أو تهديد الإخوان خصم وتركيا خصم وقطر خصم والجهاديون خصم والإيرانيون خصم وحلفاء إيران خصم... إلخ)، دون أن يكون هناك تفريق واضح بينها، وأن تنتظر في الوقت نفسه أن تحقق شيئا!. تويتر https://twitter.com/AliBakeer