العرب اللندنية 'المواطن الخليجي محكوم عليه (بالعيش الكريم) وممنوع عليه (الفهم الصحيح) لما يدور حوله من تغيرات وما يثار عند بابه من أتربة السياسة الإقليمية والدولية'. يعلم المواطن الخليجي علم اليقين أن علاقته بحكامه علاقة تختلف عن باقي علاقات المواطنين العرب بحكامهم. فعلاقة الخليجي بحاكمه علاقة (قبلية) بالدرجة الأولى. ولذلك هي علاقة محكومة بالأصول ومشروطة بحكمة القائد، الذي ينال الثقة والاحترام لكونه القدوة التي تتمسك بهذه الأصول وترعى تطبيقاتها بين أفراد الرعية، في علاقتهم معه وعلاقتهم ببعضهم. وبالمناسبة فقد عُدّت هذه العلاقة الخليجية الخاصة بين حكام المنطقة وشعوبها من أسباب ثبات كراسي الحكم فيها، لاسيما بعد عواصف الربيع العربي التي أسقطت ما يعرف على الأقل خليجيا بالحكام «الثورجيين». لكن، هل ستدلنا مثل هذه العلاقة الخليجية الخاصة بين الحاكم والمحكوم على أن ما تم التعارف عليه تاريخيا في هذه المنطقة قابل للاستمرار، وأنه ممتنع عن التغيير أيا كانت التبدلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ هل يصح مثلا أن نقول بأن المواطن الخليجي محكوم عليه (بالعيش الكريم) وممنوع عليه (الفهم الصحيح) لما يدور حوله من تغيرات وما يثار عند بابه من أتربة السياسة الإقليمية والدولية؟ وهل يجوز أن يبقى الخليجي جاهلا بطبائع جيرانه غير العرب (تركياوإيران) ومكتفيا بالمحتوى المحلي في تداول اليوميات وصغائر الأمور إعلاميا؟ألا يُفترض بالمواطن الخليجي بالجملة أن يكون على اطلاع حقيقي على سياسة بلده الخارجية ويبدأ على الفور بتكوين وعيه السياسي ليتشارك مع حكامه هواجس وهموم المرحلة، أم أن هذا ليس (شغله) ولا يعنيه في قليل أو كثير؟ هذه الأسئلة، مع أسئلة ومضامين أخرى فرعية تثار بين الحين والآخر وتبقى بدون أجوبة واضحة ومحسومة، مما يعني أن المواطن الخليجي لا يزال، رغم متغيرات التعليم والثقافة ومكاسب الاحتكاك الحضاري بالأمم الأخرى، يراوح مكانه، عند تلك النقطة التي تفصله عن صانع القرار في مسار السياسة الخارجية وتأثيراتها على السياسات الداخلية، التي تحكم أو تتحكم بحياته وأمنه ومستقبله، وهذا، بطبيعة الحال، ما يثير مزيدا من قلقه وعدم اطمئنانه إلى القادم من الأحداث. وإذا ما عدنا إلى أحداث سابقة منذ بداية التسعينات وما أثارته من مسببات قلق مشروع، فقد تضاعف قلق المواطن الخليجي مؤخرا، مع غياب الأجوبة الحاسمة عن أسئلته السياسية، بعد الاتفاق الدولي المؤقت بخصوص البرنامج النووي الإيراني، فهذا الاتفاق، بحسب أصوات خارج حكومات الخليج، يميل بميزان القوى في الشرق الأوسط لصالح إيران بعد عامين من الانتفاضات الشعبية التي أضعفت الدول العربية الكبرى. أصوات أخرى من مؤيدي الاتفاق تقول إن التقارب بين الولاياتالمتحدةوإيران اللتين امتد خلافهما لفترة طويلة جدا قد يساهم في إعادة الاستقرار إلى منطقة تعاني من الاضطرابات، وأن هذا الاتفاق سيحد من الاحتقان الطائفي.بل إن هناك آراء ذهبت إلى أبعد من ذلك حين اعتبرت أن من فوائد اتفاق العالم مع إيران أنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقارب نظام رجال الدين في إيران مع الدول الخليجية المتحالفة مع الولاياتالمتحدة. هناك أيضا من قال إن الدول الخليجية ستحاول أن تضع استراتيجية دبلوماسية وأمنية مع الدول التي تتفق مع موقفها للحد من آثار تصاعد القوة الإقليمية لإيران، حيث يبقى الموقف الخليجي بشكل عام محكوما بمشاعر «الارتياب» إلى حد بعيد استنادا إلى تدخل إيران في سوريا واليمن والبحرين. وبالنتيجة، بين من هو مؤيد لاتفاق العالم مع إيران ومن هو معارض له أو مرتاب منه، يبقى المواطن الخليجي، مرة أخرى، في المنطقة الضبابية حيال فهم هذا الاتفاق وأبعاده، أمنيا وسياسيا، سواء تلك الأبعاد الماثلة الآن على الأرض السورية، أو أبعاده و(أعماقه) المتوقعة على كل أرض تدخل في سور دول الخليج الجغرافي. وقد كان مفهوما بالنسبة لي، حين أدرت يوم السبت الماضي أمسية عن العلاقات السعودية الأميركية قدمها الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، أن يحمل حوالي سبعين شخصا من حضور هذه الأمسية من الكتاب والإعلاميين وصناع القرار الاقتصادي والاجتماعي، عددا من المداخلات والأسئلة الصعبة، التي تدل، بصورة أو أخرى، على أن حكومات الخليج تواصل إدارة ملفات السياسة الخارجية بمعزل عن فهم شعوبها، وأن المشاركة الإعلامية بالمعلومة السياسية لا تزال غائبة عن المشهد الإعلامي المحلي لكل دولة من دول الخليج. ولذلك لم يقبل ضيف الأمسية، وهو من المقربين من دوائر صنع القرار السياسي في المملكة، وقد سئل عن أسباب غياب التحليل الصحفي الخليجي الناضج، أن يُحمّل الإعلاميون المسؤولية الكاملة عن ضعف أو غياب هذا التحليل أو غياب الوعي السياسي الشعبي بالأحداث الأخيرة والخطيرة التي تشهدها منطقة الخليج، إذ إن الإعلامي في رأيه، وهو رأيي أيضا، وظيفته السعي للحصول على المعلومة السياسية من مصادرها الصحيحة الموثوقة، لكنه لا يلام إذا كانت هذه المعلومة غير متاحة أو متاحة بقدر لا يُشبع فضوله وفضول قرائه. ولفت، أيضا، إلى أن المهنية الإعلامية تنقص الكثير من صحفيي وكتاب دول الخليج، إذ أن بعضهم لا يحسن التعامل مع المعلومة الخاصة فتسببوا بنشرهم لمثل هذه المعلومات بقفل عدد من حنفيات الأخبار المهمة التي يمكن أن تنطلق منها أو تُبنى عليها التحليلات السياسية الجادة والمحترفة التي تتناول واقع ومتغيرات السياسة الخارجية لدول الخليج. وهذا يعني أن الإعلامي الخليجي، غير المحترف، يتحمل جزءا من مسؤولية غياب المعلومة السياسية وتحليلاتها عن المواطن في وسائل الإعلام، لأن المؤسسات الإعلامية المحلية لم تهيئ، رغم أعمارها الطويلة نسبيا، جيلا من الصحفيين السياسيين الذين بمقدورهم نقل الأخبار وكتابة التحليلات السياسية الكفيلة برفع مقدار الوعي والفهم السياسي لدى المواطن. ما نخلص إليه هو أن المواطن الخليجي، بسبب حكوماته أو وسائل إعلامه، لا يتشارك المعلومة السياسية ولا يفهمها بالقدر الذي يمكنه من تكوين رؤية واضحة لما يدور حوله. وقد اتضحت خطورة غيابه أو تغييبه عن هذه المعلومة مع توالي الأحداث السياسية، الدولية والإقليمية، التي تقع على مرمى حجر من حدود دوله التي لا يفهم حتى الآن تناقضاتها هي بذاتها حيال ملف الاتفاق العالمي- الإيراني. أما مبعث خطورة مثل هذا الغياب أو التغييب للمواطن أنه لن يفهم كيف يتعامل أويستفيد من الوضع، أي وضع، إن كان سيؤدي إلى حالة استقرار، ولن يعرف كيف يتجنب مخاطر هذا الوضع إن كانت هناك مخاطر.