من الأمور التي يفرضها الواقع على كل دولة نامية أو بدأت تتشكل، أن تنتهج النظام «البيروقراطي» أو ما يسمى النظام بالطريقة الهرمية الذي يحدد العلاقات الشخصية «الولاء» للمناصب، لأن أول ما يلح على أي دولة بدأت تتشكل «الجانب الأمني» أو تحقيق الاستقرار الأمني لأفراد المجتمع، وهذا لن يحدث دون «البيروقراطية» التي إن لم تنتهجها الدول الناشئة، ستستمر مهددة دائما للتفكك، وعودة المجتمع إلى ما قبل الدولة. لكن هذا الحل الناجع «البيروقراطية» سرعان ما يتحول بعد «تحقق الأمن» إلى عائق، يمنع تطور الدول وانتقالها من تأسيس الدولة، لصنع الرفاهية بعد أن صنعت أمنها. فالتطور يحتاج لخاصية أخرى غير التي كان يستند عليها نظام «البيروقراطية» الطريقة الهرمية والولاء والصيت الحسن والسمعة لمن سيصبح مسؤولا عن وزارة أو مؤسسة عامة؟ فهي تحتاج لمن يملك خاصية القراءة الدقيقة والعميقة لمؤسسة ما، وقادر على تحديد مشكلاتها ومعوقاتها، كذلك يملك ما يظن أنها حلول تزيح ما يعيق «مؤسسة أو فرعا أو قسما ما» من التقدم. وهذه الخاصية لا يمكن معرفتها من خلال آلية «البيروقراطية»، بل من خلال ترشيح عدد من الشخصيات لمنصب واحد، وعلى هؤلاء المرشحين أن يقدم كل منهم ملف تطوير «المؤسسة، الفرع، القسم» بشكل مفصل، العوائق الحلول المدة التي يحتاجها لحل المشكلات وتحقيق الاستراتيجيات التي وضعها لتتطور. ومن خلال قراءة ملفات المرشحين، يمكن تحديد الأنسب للمنصب/المكان، وكذلك محاسبته إن لم يحقق ما وعد به في ملف حلوله، وإن زعم أن الواقع هو من أعاقه، فهو من قدم الحلول بعد أن منح الفرصة لقراءة الواقع أو المؤسسة المراد تطويرها. خلاصة القول: إن ما تحتاجه الدول لتمضي قدما في تطورها أن تتخلص مما كان حلا مناسبا لبداية الدولة «البيروقراطية»، لتنتقل إلى خاصية جديدة توصل المبدع للمنصب، في نفس الوقت تربط مصلحة هذا المبدع بالمصلحة العامة المؤسسة، إذ أن بقاءه أو تحقيق مصلحته الخاصة، مرتبط بتحقيق التطور أو المصلحة العامة. فهل تنتقل مؤسساتنا من «البيروقراطية» التي تفرض مواصفات معينة للمسؤول، إلى المسؤول الذي لا ينتظر المشكلة ليحاول حلها، بل يمنع حدوثها؟.