الاقتصادية -السعودية .. "فريد زكريا" متحولٌ إلى الجنسية الأمريكية، وصار أكثر أمريكية شوفينية من الأمريكان أنفسهم. هو مستعد أن يضيف بهاراته التي ورثها من بلده الأصلي على أي موضوع يريد أن ينتقد، وبما أن دمَهُ حارٌ ومليءٌ بالبهارات الحارقة، فهو في انتقاده عنيف ويلقي الصفات القوية بلا اكتراث، وغليظ اللفظ في لغته الإنجليزية الفائقة التميُّز. ولا يهمنا "فريد زكريا" فيما يكتب، وخصوصاً أنه محترف بامتيازٍ ينتقل مع المال، لذا ترك المجلة المنافسة "نيوزويك" إلى "التايم".. وأيضاً هذا، شأنه. الذي يهم أن أستعرضه معكم ما أكرره دائما بالتصدّي باحترافية وذكاء وإيقاع واقعي لما يكتنف سمعتنا عبر العالم، ثم نعاقب إما معنوياً أو مادياً فيزيائياً حقاً.. ولو كُنّا جَنيْنا فنستحق، ولكن إن كنا لم نجنِ، بل ندافع، ومعهم، عمّا يخافونه وتخافه الدولة السعودية "معهم" من الإرهاب، فهنا يجب أن يكون هذا من أكبر مواضيعنا في استراتيجيتنا، بأن نتصدّى لتلويثِ السمعة المُنَظم والقوي، وتحويلنا أمام العالم وكأننا الشرّ الأوحد. كلنا نحترق من أجل بلدنا مراراً.. ولكننا نغرق في البُقع الصغيرة، ونترك الملاحة في المحيط. "فريد زكريا" إنصافاً صار - مع شلة هنودٍ عباقرة - من أنبّه المفكرين والكتّاب ومؤثري الرأي؛ ليس فقط على الرأي الأمريكي، بل العالمي، وبالذات النُخَب. كل مسؤولٍ أمريكي وعالمي يقرأ بتمعن لفريد زكريا، ويُعتبر الآن مؤشر الرأي في كل أمريكا الشمالية، وعندما يصل صاحبُ رأيٍ من الكُتاب لهذه المرحلة من النفوذ يبدأ بانتفاخ ذاتٍ كبير بإلقاء النقد المفتوح بأي حجم لا يُهاب ولا يتردّد، فلم يعد أحدٌ يسأله أين أدلتك؟ لأنه صار بذاته سلطة. ونحن ما زلنا في "الأكثر تأثيراً" نختار مَن لا علاقة له بالتأثير الفكري في الرأي العام وعموم المجتمع الذي يفتح عينَي المجتمع والأمة على ما يكتنفها من مخاطر لا تُرى، ولكنها أمضى خطراً مما يُرى. "فريد زكريا" يكتب في مجلة "التايم" في صفحته الكاملة المهمة: "السعوديون غاضبون؟ يا ويلنا! !"The Saudis Are Upset? Tough وترجمت كلمة "Tough" ب "يا ويلنا"، لأن قصده الاستهزاء.. فباطنها يقول إنهم - أي السعوديين - لن يحركوا شعرة في جسدنا - طيب فلنبلع هذه المضغة المُرَّة التي ألقاها علينا "زكريا"، ولكن انظر إلى ما يسمّى العنوان المرافقSub Title وهو الأهم لمَن يتابع الكتابات الإنجليزية، لأنه بيت القصيد". الجملة المزعجة هي ما بعد العنوان وتقول حرفياً: "لماذا علينا ألاّ نكترث من غضب أكثر دولة غير مسؤولة في العالم على الولايات المتحدة؟ Why we shouldn't care that the world most irresponsible country is displeased with the U.S وبكل أريحيته يبسط أعظم التهم بإطلاقها على السعودية كأن يقول: كل ما يكتنف من أخطار في العالم من "الإرهاب" وإن كان خارج السعودية كالباكستان وأفغانستان- طالبان بالتحديد - إنما هو سعودي ويتحمّل تبعاته السعوديون لسببين: 1- لم يُقدَّر لهذه الحركات أن تخرج بهذا العنف في كل العالم الإسلامي لولا الفكر الوهابي الذي يبثه السعوديون ويعتنقه الإرهابيون. 2- لأن الدولة السعودية هي التي تموّل تلك الحركات. ويتمادى السيد زكريا ويقول إن هذا لم يقف، وإن ادعت الحكومة السعودية أنه توقف وأن أفراداً من المواطنين السعوديين يموّلون الإرهاب. ويزعم أن الباكستان فيها أكثر القتلة بأساً من الإرهابيين في الدنيا، وينقل عن وزير القانون السابق الباكستاني "إقبال حيدر"، الذي صرح لوكالة الأنباء الألمانية في شهر أغسطس 2012م بالتالي: "سواء أكانوا - أي الإرهابيين - من طالبان أو من فصيلة أخرى، فالحقيقة أن أيديولوجيتهم سعودية وهابية دون أدنى ذرة من شك" مستخدماً الكلمة الحاسمة الإنجليزية التي تعني بلا شك، ولكن بشكل حاسم قاطع: ".. without an iota of doubt" ولا تنسوا يا كرام أن مَن قال ذلك وزير القانون.. أي أنه يحسب ويزن ويعني كل حرف قاله. ويقول السيد زكريا إن السعوديين ينشرون عقيدتهم من الكره وعدم التعايش في كل مراكزهم الإسلامية من ألمانيا حتى إندونيسيا، حتى إن مسؤولاً في الخزانة الأمريكية يقول: "لو قُدر لي أن أضع إصبعي وأقطع تمويلاً من أي بلد في العالم، فيكفي أن أقطع التمويل السعودي". بمعنى أن التمويل السعودي لو انقطع لعاشت الأرض بسلام! ليه يا زكريا زعلان؟ زكريا واضح غضبه لرفض السعودية كرسي عضوية مجلس الأمن، ويبرّر أن السعودية رفضت الكرسي حتى لا تنفضح أمام العالم وحتى لا تضطر أن توافق على ما يوافق عليه المجلس وهو لا يوافق هواها. إني أتمنى على وزارة الخارجية أن تعمل على استراتيجية السمعة السعودية في الخارج بهيئة متخصّصة عصرية بلغة دافقة الحياة لتواجه السيل الاتهامي، والابتعاد عن وسائلنا المعتادة في مخاطبة أنفسنا. فهذا الموضوع ليس هيّنا أبداً!