إذا ما نظرنا إلى التصنيفات العلمية للمذاهب الفكرية وبالتالي تصنيف من يتبعون تلك المذاهب فإننا لا نلبث أن نكتشف أن تلك التصنيفات لا تخلو من خلل من شأنه أن ينزع عنها تلك الصبغة العلمية التي تحاول أن تتمظهر بها، ويعود ذلك إلى أن عملية التصنيف تقوم على البحث عن المتشابه في الأفكار العامة لهذه الشخصية أو تلك ومن ثم ضمه إلى هذا المذهب أو ذلك التيار وتجاهل أو غض النظر عما يمكن أن يميزه عن بقية أتباع المذهب أو يجعل له موقفا متميزا من المذهب ويكشف عن استقلاله الفكري وتفرده كمفكر لا ينقاد لتبعية مطلقة لهذا المذهب أو ذاك. ورغم هذا التحفظ العلمي على التصنيف فقد جرت العادة على الأخذ بهذه التصنيفات فلا تخلو الدراسات، على اختلاف مستوياتها العلمية من الحديث عن هذا المثقف باعتباره ليبراليا وذاك المفكر باعتباره يساريا وهذا الداعية باعتباره وسطيا أو متشددا، وغالبا ما يكون التصنيف توصيفا عاما للتعريف دون أن يكون علميا ودقيقا. هذا التحرز العلمي على التصنيف يقابله لدينا تحرز أمني يهدف إلى توفير التماسك الاجتماعي واللحمة الوطنية وتجنب ما قد يترتب على التصنيف من عملية إقصاء أو عزل اجتماعي أو إسقاط صفات وسمات سلبية على من يتم تصنيفه تجعله عرضة للمساءلة على المستويات المختلفة سواء ما كان منها اجتماعيا أو ثقافيا أو رسميا، وما كان لذلك أن يكون لولا أننا، وعلى مستوى فكري وثقافي بحت، عاجزون عن تقبل الاختلاف غير معترفين بحق الآخر في حرية الرأي، وهو ما يجعل من عملية التصنيف خطوة نحو التشويه وشرارة توقد نار الفتنة ينقسم على إثرها المجتمع إلى فئات ينبذ بعضها بعضا وتقصي فيها فئة بقية الفئات. الهاجس أو التحفظ الأمني على موضوع التصنيفات، وهو هاجس لا يمكن التنكر لنبل أهدافه ومقاصده، غيب عنا التحفظ العلمي على التصنيفات، كما أكد هذا التحفظ على أننا مجتمع لايزال يعاني من مشكلة تقبل الاختلاف وتغيب عن بعض أفراده مفاهيم التسامح وحرية الرأي واحترام حق الآخر في الاختلاف.