قررت بلجيكا أن تُرحِّل نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بناء على طلب من حكومة العراق بتسليمه لها. تحمي دول أوروبا الإنسان المعرض للخطر بناء على خلاف سياسي أو ديني وهو حال ينطبق على الهاشمي الذي قرر المالكي أنه مجرم وحاكمه وأصدر أمراً بقتله وهو يشغل منصب نائب رئيس الدولة ليس لأي سبب سوى أنه سني وقاوم المد الشيعي في مناصب الدولة العراقية. كان بإمكان الهاشمي أن يطالب بالحماية أو اللجوء السياسي، لكنه لا يزال نائباً للرئيس حتى وإن جرده المالكي من منصبه لغرض شخصي. يستمر رؤساؤنا المبجلون في الكذب والخداع، واستغلال الأحقاد التاريخية وجهل الأغلبية بما يخططون له والمنظمات التي يمثلونها، فيرسخون أقدامهم ويثبتون كراسيهم ويسيطرون على مصائر الناس. تبقى فكرة البقاء مسيطرة على عقل الدكتاتور، ويعمل في سبيل ذلك بكل أنواع الغدر والخداع والكذب، لأنه يعلم أنه ما إن يخرج من سدة الحكم، تنكشف خباياه، ويكتشف البسطاء الكم الهائل من السرقات والاستغلال والفساد الذي كان الدكتاتور يمتص من خلاله خيرات البلاد ورزق العباد. إن البعض يتجاوز بهم الجنون حده ليؤمنوا بأنهم أذكى من العالم كله. العالم الذي يطلع على خباياهم في التقارير المخابراتية والمعلومات التي ترسلها السفارات والبحوث التي تقدم في المؤتمرات. يتجاوز الدكتاتور حدود الجنون عندما يعتقد أنه يستطيع أن يبني على هوسه ليصبح ذلك العبقري الذي يحولِّ العالم برمته إلى عالم يؤمن بمفاهيمه ويخضع لآرائه ويعجب بمبادراته. إن من المهم أن نقول هنا إن الموازين مقلوبة، فالإرهابي ينعت الآخرين بالإرهاب، والخاضع لرأي معمم في طهران يعتقد أن الآخرين يخضعون لفتاوى معممين من ملة أخرى وفي دول أخرى، ويحاول إقناع العالم بذلك. رغم أن العالم عرف خطر معممي طهران، وأن كل الجيران يحاولون الابتعاد عن الخلاف الحاصل في العراق لمصلحة أهله. تتحول الصراعات السياسية إلى دينية بمجرد أن تتراجع أسهم السياسي لدى البسطاء، فيقوم برحلة إلى النجف ""الأشرف"" أو إلى قم ""المقدسة""، ليستعيد وضعه السابق ويحول الصراع السياسي إلى ديني، فهو المخدر الذي يعتمد عليه في السيطرة على البسطاء الذين يندفعون لقتل معارضيه. كيف رأى المالكي نفسه مقاوماً للإرهاب؟ ومن الذي أقنعه بأن ما يحدث في العراق اليوم ليس من صنع يده؟ وكيف يرى العالم كله يتحول إلى مؤيد له ومحارب لمعارضيه؟ أمر لا يمكن أن أفهمه لبساطة تفكيري. أعلم أن التنظيم الدولي لمكافحة الإرهاب سيجرم قتل الناس بناء على هويتهم أو أسمائهم أو انتمائهم الطائفي أو محافظات ميلادهم، لأنه ليس لأي إنسان ذنب في كل هذا. ألا يعلم ذلك المالكي؟ أعتقد أنه يجب أن يعود لنفسه ويراجع مبادئه في تجريم وسجن ودعم القتل على الهوية أو الانتماء الطائفي. كما يجب أن يراجع المعايير التي يبنى عليها الاختيار للمناصب الأمنية، وأسلوب التعامل الأمني مع سكان المحافظات العراقية الذي يختلف بناء على المذهب والمذهب فقط. يجب أن يعلم المالكي أن التنظيم الدولي لمكافحة الإرهاب سيحرم استغلال المنصب السياسي في تدمير الخصوم السياسيين، والحصول على فتاوى بقتل كل من يرشح نفسه خصماً أو يتحدث في مكان عام عن مخالفات الدولة وعنصريتها ودموية تعاملها مع المخالفين للرئيس. التنظيم الدولي سيجرم كذلك العفو العام عن المسؤولين الذين في رقابهم دماء المواطنين لكون التحقيق معهم سيورط الحكومة في مشاكل قانونية. لا بد أن يعلم المالكي أن اتخاذ القرار بحبس وقتل نائب رئيس الدولة وكل من يعمل في حمايته بناء على قرار أمني أُملِيَ على محكمة عنصرية، بعيداً عن صلاحيات مجلس النواب أو صلاحيات رئيس الدولة الذي يقع في السلم أعلى من مستوى رئيس الوزراء، يعتبر إرهاباً. قام شخص ""فاسد"" بتنظيم مسيرة في وسط مدينة بغداد يسب فيها زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الذين منهم الرجل الذي أدخل الإسلام إلى العراق وهو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه. كانت الشرطة تراقب وتحمي هذه المسيرة الفاسدة التي هدفت لإهانة رموز الدين الإسلامي، واعتمدت على السب والشتم والقذف الذي يحرمه الدين الإسلامي على كل منتسبيه في حق أي ديانة أخرى. حقيقة الأمر أن التنظيم الدولي لمكافحة الإرهاب سيقوم أول ما يقوم بالتنديد بمواقف وتصرفات وطريقة التنافس الفاسدة التي يعتمدها المالكي في تصريف الأمور في العراق، وإن كان للتنظيم صلاحية السجن والملاحقة القانونية، فأول مذكرة جلب ستصدر بحق المالكي نفسه، وأسياده في قم والنجف وطهران. فرب كلمة قالت لصاحبها دعني.