تسجِّل الدبلوماسية السعودية نجاحاً آخر في أهم محفل دولي، وتضع بصمتها وتعلن عن مبادئها المتمثلة في المطالبة في إقرار السِّلم والأمن في هذا العالم، وذلك من خلال قرارها برفض عضوية مجلس الأمن مشفوعاً بمسوّغات لا يمكن إلاّ الإقرار بها، الموقف السعودي أثار الكثير من التعليقات كان أهمها التعليق الروسي الذي استغرب الاعتذار وهو تعليق مفهوم الأسباب، لأنّ اعتذار المملكة أشار إلى عجز المجلس عن حل الأزمة السورية، ومعروف أنّ روسيا طرف بالأزمة وتشارك في الحرب على الشعب السوري سعياً وراء مصالحها، ضاربة بعرض الحائط بكل القيم والمبادئ الإنسانية، وهي تعيق أي قرار لصالح الشعب السوري في مجلس الأمن مساندة النظام الدموي! أمّا الموقف الآخر فهو الموقف الفرنسي والذي جاء متفهماً لاعتذار المملكة، وهذا موقف مهم لأنه جاء من أحد أعضاء المجلس الدائمين. ازدواجية المعايير كان أهم سبب دعا المملكة إلى الاعتذار، وهنا إشارة قوية إلى أنّ المجلس لا يقوم بدوره الحقيقي! بل إنه غالباً ما يقوم بحماية الجلاّد ولا ينتصر للضحية، وهذا كان نهجه طوال ستين عاماً من قضية فلسطين، ويفعل ذلك مع باقي القضايا العربية والإسلامية، بينما كان دوره الحقيقي في أغلبية قراراته حماية إسرائيل من خلال الفيتو الذي يبطل كل جهد لإدانتها أو معاقبتها على جرائمها! عبر مقابلة هاتفية في قناة العربية، أشار رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك في حديثه إلى نقطة مسألة مهمة يعبّر عنها القرار، وقد لا يفطن إليها الكثيرون، وهي أنّ هذا الاعتذار أكد (استقلالية) القرار السعودي، وهي ما تؤكد أنّ المملكة تستطيع أن تعبّر عن موقفها دون إملاءات، والموقف السعودي أعلن بطريقة كشف الحساب، مشيراً إلى فشل المجلس وهيئة الأمم في تحقيق طموحات الشعوب، في ظل هيمنة عدد من الدول على القرار السياسي الدولي! لقد كان القرار خارطة طريق لمجلس أمن حقيقي يوفر الأمن والسِّلم العالميين . (وبناءً على ذلك؛ فإنّ المملكة العربية السعودية، وانطلاقاً من مسؤولياتها التاريخية تجاه شعبها وأمتها العربية والإسلامية، وتجاه الشعوب المحبة والمتطلّعة للسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم، لا يسعها إلاّ أن تعلن اعتذارها عن قبول عضوية مجلس الأمن، حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعلياً وعملياً من أداء واجباته، وتحمُّل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسِّلم العالميين). لقد كانت تلك مسوّغات القرار التاريخي للدبلوماسية السعودية التي أرادت أن تنبّه العالم، إلى ضرورة وجود مجلس أمن جديد لا تزدوج فيه المعايير!