في هذه الأيام تشهد الولاياتالمتحدة نزاعا بين قطبي السياسة؛ الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري حول مجموعة من القضايا السياسية والاقتصادية، التي كان من آخرها مشروع أوباما للتأمين الصحي وبعده السماح بزيادة الحد الأعلى لسقف الدين للولايات المتحدة، الذي استمر في زيادة مستمرة خلال السنوات الماضية ليبلغ أكثر من 26 تريليون دولار وهو ما يزيد على الناتج القومي للولايات المتحدة، بطبيعة الحال هذا النزاع كان من نتائجه إغلاق مجموعة من المؤسسات الحكومية وإجازة مفتوحة دون راتب لما لا يقل عن 800 ألف موظف في الوظائف الحكومية غير الأساسية. هذا التوقف في الأعمال الحكومية اليومية لم يمثل قلقا فقط للولايات المتحدة، بل تجاوز أثره إلى شرق العالم وغربه في مؤشر على احتمال بداية نشوء أزمة عالمية، ولقد تحدث مجموعة من القيادات السياسية والاقتصادية عن أن الاستمرار في النزاع وعدم التوافق على السماح بزيادة سقف الدين الأمريكي قد يؤدي إلى كارثة قد يكون أسوأ متضرر منها مجموعة من الدول النامية، وقد تكون بعض الدول قد بدأت عمليا التفكير في انعكاسات هذه الأزمة عليها. شهد العقد السابق أزمة مالية عالمية منشؤها الولاياتالمتحدة بعد أزمة الرهن العقاري، الذي تجاوز أثره الولاياتالمتحدة إلى أوروبا وآسيا ودول كثيرة حول العالم، ثم الركود الاقتصادي الذي جاء عقب هذه الأزمة الذي انعكس على اقتصاديات دول واقتصاديات كبرى، وشهد العالم تقلبات اقتصادية كان لها أثر في تضخم الأسعار، وزيادة معدلات البطالة وإفلاسات لشركات كبرى. وجاءت بعد ذلك أزمات على مستوى الدول انعكست على انخفاض التصنيف الائتماني لكثير من الدول منها الولاياتالمتحدة ودول في أوروبا، واليوم بعد أن بدأت الأسواق المالية تنتعش، وارتفعت مؤشرات أسواق الأسهم في العالم بدأنا نشهد أزمة أخرى داخل أروقة مجلسي الشيوخ والنواب في خلاف على السماح بزيادة سقف الدين للولايات المتحدة. وهذا بطبيعة الحال كان له الأثر في قدرة الولاياتالمتحدة على سداد ما عليها من مستحقات، الذي تسبب في قلق لدى دول مثل الصين واليابان على مستحقاتها من سندات الدين الأمريكي، حيث تعتبران الأكثر استثمارا فيها على المستوى العالمي، حيث تبلغ حصة الصين قرابة تريليون و300 مليار في حين أن حصة اليابان أكثر من تريليون و100 مليار دولار، ويتطلع العالم إلى حل هذه الأزمة في 17 من تشرين الأول (أكتوبر). ولكن من خلال النظرة القاصرة أو قصيرة المدى قد يكون في الموافقة على رفع سقف الدين الأمريكي حل للأزمة، ولكن السؤال كيف سيكون الحال إذا ما احتاجت الولاياتالمتحدة مستقبلا إلى رفع هذا السقف مرة أخرى؟ إذ إن المؤشرات تدل على أن الدين الأمريكي يشهد زيادة مستمرة، والزيادة مستقبلا قد تكون في حالة أسوأ من هذه الحالة التي نشهدها اليوم. ويبقى أن نتساءل: هل أصبح الاقتصاد الأمريكي عبئا على العالم؟ لا شك أن الاقتصاد الأمريكي رغم الأزمة يعد الأقوى عالميا وتعتمد دول كثيرة في العالم على الاقتصاد الأمريكي في تنشيط اقتصادها، وما زال الناتج القومي الأمريكي يقدر بالضعف لأقرب منافسيه، والسوق الأمريكية تعد الأضخم على مستوى العالم، ودائما ما تكون الأكثر جذبا للمنتجين، حيث يهتم بها المصنعون أكثر من اهتمامهم ببلدانهم التي يصنعون فيها، وبقاء قرابة أكثر من 800 موظف في إجازة لا يعلم متى تنتهي دون رواتب تعني لكثير من شركات التصنيع والخدمات الكثير. يظهر أن هناك مشكلة هيكلية تتعلق بالاقتصاد الأمريكي، وقد تكون أيضا في الاقتصاد الرأسمالي، وهي الاعتماد بصورة مبالغ فيها على الدين كأساس في تنشيط الحركة الاقتصادية، الذي قد يحقق نشاطا مؤقتا للأسواق، ولكن قد تكون له انعكاسات سلبية لاحقا كما حصل في الأزمة المالية العالمية، واليوم في أزمة الزيادة المتتالية في حجم الدين بالولاياتالمتحدة، حيث نجد أن الأزمة الداخلية اليوم في الولاياتالمتحدة ولكن أثرها السلبي ينعكس بصورة أسوأ في دول أخرى في العالم. فالخلاصة أن سياسة الاعتماد على الدين كأساس لتنشيط الاقتصاد قد تكون مشكلة على الاقتصاد العالمي مستقبلا، فلو تم الاتفاق على رفع سقف الدين فإنه قد لا يمنع من تجدد الأزمة مستقبلا في الولاياتالمتحدة.