في هذه الأيام تحل الذكرى الثالثة والثمانون لليوم الوطني المجيد للمملكة العربية السعودية وهو اليوم الذي نتذكر فيه بزوغ فجر أمة موحدة نفضت غبار الفرقة والتشرذم والجهل والفقر والمرض وذلك حينما أعلن الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه عام (1351) قيام المملكة العربية السعودية رافعة شعار «لا إله إلاّ الله محمد رسول الله» وملتزمة بتطبيق الشريعة الإسلامية وخدمة الحرمين إننا هذه الأيام نحتفل باليوم الوطني الثالث والثمانين وعقولنا وأسماعنا وأبصارنا وكل مقوماتنا موحدة نحو هدف واحد وهو حماية ما تم إنجازه خلال (83) عاماً من البناء والتشييد والتطور والإصلاح الشريفين وبناء دولة عصرية مدعمة بوحدة وطنية أثبتت على مر الزمن قوتها وتماسكها وهي تثبت اليوم قوة تماسكها أكثر من أي وقت مضى وسط سحب متراكمة من الفوضى وعدم الاستقرار بل من الانفلات الأمني وإراقة الدماء في مجمل الدول المجاورة ابتداء بالعراق ومروراً بسوريا ولبنان ومصر وليبيا والسودان واليمن وهلمجرا. نعم لقد تحقق الكثير من الإنجازات في مجالات التعليم والصحة والمواصلات والاتصالات والأمن والدفاع ولازال الطموح يكبر والاعناق تشرئب لتحقيق المزيد وحل المشاكل العالقة التي تتعلق بالإسكان والبطالة ومحاربة الفساد والإصلاح والاهتمام بالكيف جنباً إلى جنب مع الاهتمام بالكم ذلك أننا دولة تشبه القارة تحتاج إلى مزيد من الكثافة السكانية لشغل تلك المساحة من ناحية وإدارة عجلة الإنتاج بدلاً من العمالة المستوردة والتي تشكل نزفاً اقتصادياً هائلاً يتمثل في حوالات سنوية خارجية لا تقل عن (120) مليار ريال لو دوّرت داخل الاقتصاد الوطني لأنعشته ناهيك ان الاستغناء عن تلك العمالة أو نسبة كبيرة منها خلال خطة زمنية محددة سوف يقضي على كثير من السلبيات الطارئة على مجتمعنا والتي تشمل سلبيات تربوية وعقدية وأخلاقية وشعوذة وسحر وقتل وإدمان على المخدرات وتسويقها وتهريبها ناهيك عن السرقة وتشكيل عصابات سطو، والأدهى والأمر إمكانية استقطاب بعض من تلك العمالة لصالح دول أجنبية سواء في مجال التجسس أو التخريب أو الوساطة أو غيرها من الممارسات حيث يمكن ان يشكل بعض منها طابوراً خامساً داخل البلاد يساعد الأعداء على تحقيق بعض مآربهم، نعم نحن نفخر باليوم الوطني ونفخر بإنجازاته على كل المستويات لكن اليوم تهب على المنطقة التي نحن جزء منها رياح عاتية من عدم الاستقرار، وبرز إلى السطح من يهدد مستقبلنا ويعمل على تقويض أركان كياننا وفي مقدمة هؤلاء كل من إيران التي لا تخفي توجهاتها وطموحاتها بأن تكون مركز الاهتمام في المنطقة وذلك من خلال تبني مشروع نظرية أم القرى التي من أهم معالمها أن تكون قم وطهران مركز الثقل الإسلامي وذلك على حساب مكةالمكرمة والمدينة المنورة وأن يكون الولي الفقيه الحاكم في طهران هو خليفة المسلمين وما يترتبت على ذلك من إرهاصات. ولهذا الغرض تقوم إيران ببناء جيش قوي معزز بصناعات حربية وطنية وطموح نووي ليس له حدود وبناء مدن عسكرية تحت الأرض في مناطق مختلفة من إيران حتى تتمكن من الصمود والمقاومة وحتى تتمكن من شن حرب استنزاف طويلة المدى ضد من تعتقد أنهم عدوها الأكبر وهم العرب. ومما لا شك فيه ان التفوق العددي لإيران ولطموح إيران في ان تكون رجل المنطقة القوى وتألق خيالهم ببناء امبراطورية فارسية على حساب الكيانات الصغيرة في الخليج ولالتقاء المصالح الإيرانية والإسرائيلية في الكره للعرب ولأن إيران جربت احتلال الأراضي العربية في كل من عربستان والجزر الإماراتية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ولم يحرك العرب ساكناً سوى الاحتجاج والتنديد والشكوى لمجلس الأمن والأمم المتحدة وهي أيضاً ترى ما فعله العرب من تخاذل نحو احتلال إسرائيل لفلسطين والمسجد الأقصى وما تمارسه إسرائيل من إرهاب وتعدٍّ وهذا التخاذل العربي يغري كل طامع ومستعمر ومتآمر فاللصوص ملّتهم واحدة والمال السائب يعلم السرقة. نعم إننا نحتفل باليوم الوطني الثالث والثمانين ونحن نمر باختبار كبير وتحدّ أكبر يهدد كل ما تم إنجازه بل أبعد من ذلك ينذر بكارثة مريرة إن نحن لم نرتقِ إلى مستوى التحدي من حيث وحدة الكلمة والعدد والعدة والتي يتمثل دور كل منها بما يلي: * وحدة الكلمة من أهم مقومات الوحدة الوطنية فعندما تتجه الأمة بكامل عناصرها وطوائفها وعلى اختلاف مشاربها وانتماءتها نحو منهجية واحدة تعلن من خلالها انها خلف قيادتها قلباً وقالباً على قاعدة ان مصلحة الوطن أكبر وأعظم من مصلحة الفرد والجماعة وتلتزم في ذلك قولاً وعملاً تتحقق وحدة الكلمة حيث يصبح حراك الأمة كله متناغماً ليس فيه شوارد أو تناقضات فالكل يعمل ويتكلم بما يعود بالنفع على المصلحة العامة للوطن والمواطن تحت راية قيادته الرشيدة مستلهمين ان الخطر الخارجي لا يفرق بين فئة وأخرى أو حاكم ومحكوم. * ان نعتمد على قوتنا الذاتية أولاً وقبل كل شيء وان لا نستهين بقوة العدو بل يجب ان نستعد لكل الاحتمالات فإيران وإسرائيل ومن خلفهما قد تجمعهم المصالح «فكم جمعت المصالح من فرقاء» هذا من ناحية ومن ناحية ثانية نحن نعلم ان إيران تبني لها مراكز وموضع قدم في كل من اليمن حيث يوجد الحوثيون وتعاضد القاعدة في كل مكان خصوصاً في اليمن والبحرية الإيرانية تتمركز في الجزر اللارتيرية في البحر الأحمر وفي الخليج العربي وهي تجند الموالين لها في دول الخليج وتهدد بإغلاق مضيق هرمز وتتحكم في الوضع في العراق ناهيك عن تدخلها في سورية ووجود قاعدة لها في لبنان عبارة عن حزب الله والخافي أعظم ولهذا فإن ذلك الحراك لابد وأن يواجه بحراك مضاد أكبر وأشمل فوجود قوة مضادة على نفس القدر من القوة أو أفضل أهم رادع لكل من في قلبه مرض أو تسول له نفسه الكسب على حساب الغير أو حقد أو حسد أو ثأر أو الجمع بين تلك الأمراض ولعل من أهم مقومات القوة التي يجب أن نلجأ إليها لحماية كياننا وإنجازاتنا ووحدتنا الوطنية التي نحتفل هذه الأيام بالذكرى الثالثة والثمانين لتحقيقها ما يلي: * الاتجاه إلى بناء مدن عسكرية تحت الأرض أسوة بما تفعله إيران وأنصارها مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وأسوة بما تفعله إسرائيل وغيرها من الدول التي أدركت أهمية بناء القواعد العسكرية تحت الأرض لحمايتها من الهجمات الجوية والصاروخية من ناحية ولأن القواعد لعسكرية العادية أصبحت مكشوفة أمام الأقمار الصناعية من ناحية وهدفاً سهلاً للضربات الجوية والصاروخية من ناحية أخرى. * فتح الباب أمام الشباب لخدمة العلم وهذا فيه عدد كبير من الفوائد من أهمها تعزيز القدرة العسكرية لجميع قطاعات القوات المسلحة بدماء جديدة وشابة وتشغيل عدد كبير من الشباب الباحث عن العمل والقضاء على البطالة وسد الذريعة التي يرفعها كل ناعق ويصدقها كل مغرر، هذا بالاضافة إلى تعليم الشباب الضبط والربط وزرع قوة الشخصية وترك حياة الخمول والكسل، فالعسكرية تصنع الرجال. * في أغلب دول العالم تتحمل القوات المسلحة مهمتين: المهمة الأولى هي التي أوجدت القوات المسلحة من أجل القيام بها وهي الدفاع عن الوطن والمواطن والمنجزات بقيادة الحكومة وعلى رأسها القائد الأعلى للقوات المسلحة، أما المهمة الثانية فهي تقوم بها في أيام السلم حيث تتولى قطاعات من القوات المسلحة القيام بالعمليات الإنشائية مثل بناء الطرق وشق الأنفاق وبناء الجسور كما تتولى إقامة المجمعات والقواعد العسكرية والمجمعات والمطارات المدنية ناهيك عن مساعدة الدفاع المدني عند حدوث كوارث طبيعية أو صناعية كبيرة أو غيرها. * ان تعلّم الشباب عددا كبيرا من التقنيات العصرية اثناء تواجدهم كجنود في القوات المسلحة هو بمثابة إعداد لهم لسوق العمل عندما يعودون إلى الحياة المدنية فكل منهم يصبح مؤهلا لأن يدير عملا يتناسب مع ما تعلمه من مهارات يأتي في مقدمتها الالتزام واحترام الوقت والضبط والربط وتحمل المسؤولية والتعاون وغيرها من مهارات التعامل. * ان إظهار القوة الذاتية بكل تجلياتها دون المساس بأسرارها من أهم عوامل الحرب النفسية ضد العدو خصوصاً إذا كان ذلك العدو يعول على تغير مواقف الحلفاء من خلال ضمان تقديم مصالح أكبر لهم وتغير مواقف الحلفاء من بعضهم البعض ليس بغريب، فالتاريخ يشير إلى عشرات المواقف التي تخلى فيها حليف عن حليفه لمصلحة أكبر وجدها عند غيره. فما بالك إذا كان الحليف يدفع بقوى أخرى لفعل ذلك لمصالح ظاهرة وخافية، وهذا لا يعني الاستغناء عن الحلفاء بل يجب العمل على استمرار التحالف وحشد مزيد من الحلفاء ومنافسة أية جهة تحاول المساس بذلك التحالف على أن تكون القوة الذاتية على المعيار الذي يعول عليه لأن القوة الذاتية تمكّن صاحبها من استقلال القرار والحسم وقت الضرورة ناهيك عن أن الهيبة أمام العدو مصدرها القوة الذاتية والقدرة على الردع والحسم. * إن الصناعات العسكرية الوطنية هي الذراع الأيمن للقوات المسلحة بجميع قطاعاتها خصوصاً في ضوء احتكار سوق السلاح من قبل الدول المنتجة له وتحكمها في بيعه ومدخلاته ومخرجاته والمغالاة في أسعاره مما جعل عملية شراء السلاح وصيانته وقطع غياره باهظة التكاليف ناهيك عن تقادمه مع الزمن، ولذلك فإن من يملك صناعات حربية متقدمة يستطيع تزويد قواته المسلحة بما تحتاج دون قيود كما أن المعدات العسكرية المتقادمة يمكن إعادة تدويرها أو تجديدها أو رفع كفاءتها ناهيك عن أن عملية تصدير السلاح أصبحت اليوم تشكل مورداً اقتصادياً هاماً لكثير من الدول وهو بالنسبة لنا يشكل مصدراً جديداً من مصادر تعدد الدخل ولعل كلاً من إيران وإسرائيل وكوريا الشمالية وغيرها من الدول النامية قد أدركت ذلك المسلك الاستراتيجي وتبنته لضمان استقلال حصولها على السلاح بالوقت المناسب والتكلفة المناسبة وتصدير الفائض. إننا هذه الأيام نحتفل باليوم الوطني الثالث والثمانين وعقولنا وأسماعنا وأبصارنا وكل مقوماتنا موحدة نحو هدف واحد وهو حماية ما تم إنجازه خلال (83) عاماً من البناء والتشييد والتطور والإصلاح آخذين بعين الاعتبار ان التفاؤل شيء جميل وان الاستعداد جزء من الحذر فلنعش متفائلين وفي نفس الوقت حذرين من أن نلدغ من مكان آمن. حمى الله مملكتنا الفتية بقيادة ربانها خادم الحرمين الشريفين ومعاضده سمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهم الله - وكل يوم وطني للمملكة وأمة العروبة والإسلام بخير ونعمة وطمأنينة وأدام نعمة الأمن والأمان والاستقرار على دولتنا الرشيدة. ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أرى غيري له الدهر مالكا والله المستعان.