استعانت أمانة منطقة الرياض بالأقمار الصناعية لمراقبة النفايات وسيارات النظافة إلكترونياً في جميع أحياء العاصمة، وذلك لمعالجة أي خلل أو قصور في أعمال النظافة، وتوفير قاعدة معلومات متكاملة في عملية البحث عن أماكن القمامة، وهي خطوة ممتازة، برغم أننا في الوقت الحاضر قد لا نحتاج إلى أقمار صناعية لكشف حالة النظافة في العاصمة، فالسير في بعض أحياء المدينة والأودية المجاورة لها يكشف كميات هائلة من التلوث البيئي الذي مصدرها رمي النفايات العشوائي من مخلفات البناء، كذلك يلفت النظر تطاير أكياس البلاستيك في سماء العاصمة، والتي أصبحت ظاهرة طاغية في الأجواء العامة. يساهم في تدهور النظافة في البيئة تلك المفارقة التي يعيشها بعض سكان العاصمة، الذين يسكنون في فلل عصرية نظيفة جداً من الداخل، تصل إلى حد مسح الأرضيات التي تحت السجاد من أوسخة متناهية في الصغر، لكن خارج سور المنزل تتراكم مخلفات النفايات لفترة طويلة، وتلك تحكي رمزية موقف اللامبالاة من تلوث الجو العام، فالناس سلبيون في الاهتمام بنظافة البيئة خارج منازلهم، وقد لا نعي تلك المفارقة إلى برؤية فوقية من قمر صناعي من خارج الوطن، وذلك ليكشف مدى أناقة بعض القصور والمنازل من الداخل، بينما في الجو العام خارج السور ينتشر التلوث البيئي، بالإضافة إلى عدم المشاركة الفعّالة في التبليغ عن التلوث البيئي في الحي أو الوادي أو الساحة التي بجوار المنزل، برغم من تشجيع الأمانة على ذلك. بينما تبدو الصورة مختلفة ومتباينة في مكافحة نفايات الفساد الإداري في المجتمع، الذي يتميز بخلو الجو العام من مظاهر الفساد، والذي يعمل على تنقيته من عبارات الفساد المتطايرة، يعززه خطاب عام ومؤسسات نزاهة تنشر ثقافة مكافحة الفساد في الأجواء الإعلامية، لكن الوضع يختلف داخل المؤسسات في موقفها من الفساد في ظل الرقابة الصارمة للأجواء العامة، فبعضها يعمل على التدخل السريع لتنظيف المؤسسة من الداخل من أي آثار للفساد الإداري والأخلاقي والمالي، وتتوفر عند بعض الإدارين الشجاعة لمواجهة أي بلاغ عن فساد داخل مؤسسته، وبالتالي يضع حداً لتسرب نفايات الفساد للأجواء العامة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. لكن في مؤسسات أخرى، ينتشر أسلوب آخر للتعامل مع أوجه الفساد الإداري والأخلاقي والمالي، وهو استخدام أسلوب السجادة التي تبدو في ظاهرها في غاية النظافة، لكنها تخفي تحتها شتى أنواع نفايات الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، ويعتقد المسؤول أن بهذا الأسلوب يمنع تسرب نفايات المؤسسة إلى الجو العام، ومن أجل ذلك، يأخذ مدير المؤسسة موقفاً حازماً من البلاغات الداخلية عن أوجه الفساد في إدارته، يصل إلى حالة الغضب والإقصاء المغلف بالتهديد والملاحقة لمن يتجرأ في التوثيق والإبلاغ عن مخالفات إدارية وأخلاقية داخل المؤسسة، وإن حدث وتم التبليغ، يعمل المسؤول جاهداً على إخفاءها تحت السجادة، ثم إسكات مصدر البلاغ بأي وسيلة ممكنة، قد تصل إلى حد الفصل. في نهاية الأمر، قد تنجح أمانة مدينة الرياض بالكشف عن النفايات في الأجواء العامة في شوارع وأودية المدينة بالأقمار الصناعية، لكن لن تنجح "نزاهة" من خلال فلسفة عملها الحالية، في الكشف عن نفايات الفساد الإداري المخفية تحت سجاد بعض المسؤولين، ولن تنجح وسائل مثل الأقمار الصناعية في كشفها، لكن قد تتطاير بعض أجزاء نفايات الفساد من تحت سجادة المدير العام، إذا وصلت كمياتها إلى حجم الكارثة التي لا يستطيع سجاد العالم أن يخفيها، وعندها تظهر الفضيحة على السطح، وتفوح الروائح، وتتلوث الأجواء العامة، لن تجدي بعدها وسائل النفي في إزالة شوائبها المتطايرة خارج المؤسسة، أو معالجة آثارها السلبية على سمعة الوطن.. عندئذ لن يخرج الحل الأمثل في مواجهتها من اجتثاث أسبابها من الجذور، ثم حظر استخدام السجاد لإخفاء الفساد الإداري والمالي والأخلاقي في المؤسسات العامة..