عندما تكالبت على مصر وأهلها قوى الشر من الداخل، وتضعضعت مواقف بعض الأشقاء، وبات أصدقاء مصر يبررون ويهددون، واصطف جيش مصر العظيم خلف شعبه يدافع عن إرادته؛ عندها لم يكن الأمر يحتمل إلا كلمة حق يصدع بها خادم الحرمين الشريفين؛ ليجعل -حفظه الله- ثقل المملكة ومكانتها العربية والإسلامية والدولية في صف الحق؛ حفاظا على مصر ودعماً لشعبها وجيشها ورجالها المخلصين. هي لحظات تاريخية حاسمة لها رجالها الذين لا يترددون ولا يساومون؛ هو بكل فخر واعتزاز الموقف التاريخي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي قال بكل وضوح: "الساكت عن الحق شيطان أخرس". لم يكن الموقف يحتمل أنصاف الحلول وعبارات الدبلوماسية؛ فكانت كلمات خادم الحرمين الشريفين وقفة قائد تاريخي، وبياناً لا يحتمل التأويل: "إن المملكة العربية السعودية وقفت -وتقف مع مصر- ضد الإرهاب، والضلال، والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية". ما حصل ويحصل في مصر هي أحداث جسام، ونقاط تحول في تاريخ مصر، بل الأمة العربية جمعاء، ولا مجال البتة للتبرير والتسويف والتأويل الذي امتهنته مواقف دولية كثيرة لأشقاء وأصدقاء لمصر؛ خذلوها في لحظة تاريخية صعبة. لذلك فإن موقف المملكة الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين هو بحق تنبيه للغافلين؛ بأن المملكة ملكاً وشعباً وحكومة؛ لن يتخلوا عن مصر في هذا الظرف العصيب. أنى لمخلص ومحب لمصر يرى مآذن مساجد القاهرة قد احتلها المسلحون يطلقون النار على جيشها ورجال أمنها ولا يصف ذلك بالإرهاب. ما الفرق بين من يحمل حزاماً ناسفاً ويفجر نفسه بين الناس ظلماً وعدواناً؛ وبين من يعتلي المساجد ليمارس القتل والتدمير ذاته غير آبه بحرمة الدم والمكان؟ إن مواقف المملكة على الدوام تنظر بعين فاحصة لكل ما هو كفيل بحماية مصر وصيانة الأمن العربي من نزوات الجماعات التي ركبت موجة الربيع العربي لتحقق مصالحها الحزبية الضيقة على حساب مصالح الوطن والمواطن. ولقد كانت المملكة العربية السعودية تنظر للربيع العربي بعين المتأمل الذي يسرّه أن تحقق كل الشعوب تطلعاتها وحقوقها المشروعة؛ وخشي أن تتحول الآمال والتطلعات لسوق للفوضى، وأداة لبعض الجماعات المتطرفة يميناً أو يساراً؛ ليصبح صندوق الاقتراع حجة للعبث بالأمن ومقدرات الشعوب ومستقبلها؛ عوضاً عن أن يكون أداة للديمقراطية والبناء والتنمية. منذ تنحي الرئيس محمد حسني مبارك وما سبقه من أحداث، وحتى عزل الرئيس محمد مرسي؛ والمملكة تؤكد أنها تقف في صف الشعب المصري، وأن خياراتها هي إرادة الشعب المصري. تشابهت على البعض المواقف، وتبدلت عند البعض الآخر الرؤى؛ وظلت الصحراء لا تعرف للخيانة طريقا. ظل وطني وفياً لمبادئه صادقاً في كلماته مترفعاً عن الزلل. أيقن وطني أن الخطب يستدعي الصبر حتى يتبين الحق من الباطل، حتى تعرف الشعوب طريقها الصحيح في بحر متلاطم من الأحداث والحوادث، وقد ظن بعض القوم أنهم لبسوا ثوب الديمقراطية بين ليلة وضحاها. يدرك خادم الحرمين الشريفين أن شعب مصر العظيم يعرف عمقه وسنده بعد الله -عز وجل- بالقدر الذي يعرف عمق المملكة وسندها. يعرف -حفظه الله- حقائق التاريخ والجغرافيا، بقدر علمه أن مفهوم الأمن العربي كل لا يتجزأ، وأن من يطلق الرصاص من مئذنة مسجد الفتح في القاهرة إنما ينال من استقرار العالم العربي كله. لقد عكس موقف المملكة التاريخي الذي عبر عنه خادم الحرمين الشريفين، شعور المواطن السعودي والمصري وكل الشرفاء بالثقة في أن صيانة الأمن العربي لن تكون محل مساومة مهما كانت المواقف الدولية، وأن أمن مصر بالذات خط أحمر؛ مهما سيق من تبريرات يراد منها تمييع المواقف وتسمية الأحداث والمواقف بغير أسمائها. لقد حقق طلاب السلطة المطلقة للعدو الشامت "إسرائيل" مناه في إشغال الجيش المصري بأمنه الداخلي، وإضعاف اقتصاد مصر الوطني، وزرع الفتنة بين أبنائه. صموا الآذان بدعاوى كثيرة تبين زيفها منذ اللحظة الأولى على كرسي الحكم. ظلوا يتاجرون بالشعارات التي اشتروا بها تعاطف الكثير؛ ليبنوا بها خيام الوهم وسلاح العدوان على أهلهم وجيشهم وأمنهم. ومع كل ذلك ما انفك بعض المتأولين يبحث عن الأعذار، مختبئاً خلف نظرية المؤامرة التي نسجها المتطلعون للسلطة ولو على جماجم الوطن برمته. لقد سقط القناع عن كل زيف، وبانت مواقف العزة والكرامة، وبدت للجميع كلمات خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- وهي ترفع عن مصر المحروسة كيد الحاقدين، وتعيد الجانحين لرشدهم، وتذكر العالم أجمع أن "مصر العروبة والإسلام والتاريخ المجيد" لن ينال منها مراهقو السلطة ومن شايعهم، وأن أمن مصر واستقرارها هو أمن المملكة واستقرارها ولو كره الكارهون.