" بالطبع هو كذلك حسب الأعراف السياسية والدولية، وقد تم ذكر هذا مرارًا بكبرى الوسائل الإعلامية الغربية كالسي إن إن والواشنطن بوست. ما حدث هو إطاحة بشرعية منتخبة عبر الصندوق عن طريق القائد الأعلى للجيش، وهذا حدث شهدناه في منطقتنا مرارًا. هذا فيه تقليل من دور الملايين من الشعب المصري الذي قال كلمته في الثلاثين من يونيو، فما حدث لا يختلف عن ثورة الخامس والعشرين من يناير عندما انحاز الجيش المصري لرغبة الشعب، وأجبر حسني مبارك على التنحي، وتشبيه ما حدث بالانقلابات العسكرية العربية الكلاسيكية التي تكاد تكون شأنًا داخليًّا بين الجيش وبعض الساسة لا يعدو كونه بروبغندا إخوانية أو جهلاً بما حدث ويحدث في مصر!" ... الحوار أعلاه قد يستمر لأيام باجترار ذات المصطلحات وتبهير الجدل باستحضار إسرائيل وأمريكا وعمالة أحد الطرفين لهما كما هي العادة العربية السياسية الأصيلة التي تجذرت في التحاليل السياسية لدرجة فرغت من معناها حقيقة، وجدل آخر استفحل وتصاعد يناقش الشرعية القانونية للانقلاب العسكري، بل ويقارن الحالة المصرية بأمريكا وشرعية الانقلاب هناك في محاولة لتحوير المشهد من سياسي إلى قانوني في دولة حديثة بمرحلة تأسيسية لا يثق فيها أحد بالدستور القائم ولا بمؤسسات الدولة، ولا يوجد فيها برلمان، دولة قبل أشهر قليلة كان من الحق القانوني الشرعي للرئيس فيها أن يعلن نفسه فرعونًا محصنًا ضد الطعن القضائي .. المسألة ليست قانونية هنا ياسادة؛ لأن التشريع في طور التشكيل، بل هي مسألة سياسية تحكم بالأعراف السياسية، ومقارنة هذا الواقع بالولايات المتحدةالأمريكية الراسخة مؤسساتيًّا ودستوريًّا من قرون مضحك بعض الشيء .. كل هذا الضجيج والانجرار للاستقطابات السياسية الصاخبة سيمنعنا من النظر للوحة الإجمالية وطرح الأسئلة الأكثر أهمية .. ماذا حدث للإخوان ؟ ولماذا انحدرت شعبيتهم وفقدوا كل حلفائهم السياسيين بضربة واحدة فجأة ؟ هل كان الجيش ليجرؤ على الإطاحة بمرسي المنتخب بهذه الطريقة لو لم يقف خلفه أكبر ممثل للتيار الإسلامي السلفي -حزب النور- ومؤسسة الأزهر، وكافة القوى السياسية المعارضة من ليبراليين وقوميين ثوريين و(فلول)، وخلف كل هؤلاء خرج الملايين من الشعب المصري في أكبر مظاهرة عرفتها مصر ؟ كلهم تصدروا المشهد لهدف واحد، وهو حجب الثقة عن مرسي .. الإخوان غرقوا في وهم السلطة، فاعتقدوا أن بإمكانهم تسيير بلد بحجم مصر لوحدهم في هذه المرحلة التأسيسية الحرجة، اعتمادًا على شرعية صندوق -فازوا فيه بنسبة 51٪ عندما نعود قليلاً بالزمن للوراء سنرى كثيرًا من الثوريين والمثقفين ذاتهم وهم يهتفون للإطاحة بشفيق وحكم العسكر، وبعضهم صوت لمرسي فعلاً، مثل الكاتب علاء الأسواني، وبعضهم كان حليفًا صريحًا للإخوان مثل حزب النور، واليوم وبعد حكم الإخوان لسنة أصبح هؤلاء نفسهم ينظرون بلا مبالاة لتدخل العسكر واستحواذه المؤقت على السلطة، فهم يرونه الآن أقل الشرور على مستقبل الحياة السياسية المصرية .. يقول الشيخ محمد أبو سدرة -الإسلامي البارز في بنغازي نقلاً عن النيويورك تايمز- (قادة الإخوان المسلمين بتفردهم بالسلطة أخذوا أكثر من اللازم بأسرع من المفترض)، ويتفق معه الإسلامي السلفي ناجح أبو إبراهيم في مقاله "ضياع الفرصة وصناعة الأعداء" والذي اتهم فيه الخطاب الإخواني بتغريب الحلفاء بل وتوحيدهم ضد السلطة الإخوانية بسبب الممارسات الاستعلائية الاستعدائية التي أهملت أهم ما يجب العمل به في هذه المرحلة التوافقية البنائية الحساسة، وهو بناء التحالفات والتدرج؛ التدرج في التغيير مع فتح أبواب الحوار أمام القوى السياسية المختلفة لتبديد المخاوف التي تصاعدت من الاستئثار الإخواني الأحادي الشره بالسلطة، والتي بلغت مداها إبان أزمة الإعلان الدستوري والتي أقفل فيها مرسي بابًا جديدًا للحوار، واكتفى بفرض رؤيته رغم انسحاب معظم ممثلي القوى المدنية. الإخوان غرقوا في وهم السلطة، فاعتقدوا أن بإمكانهم تسيير بلد بحجم مصر لوحدهم في هذه المرحلة التأسيسية الحرجة، اعتمادًا على شرعية صندوق -فازوا فيه بنسبة 51٪ حتى لو استعدوا كل القوى السياسية في مصر وكل المؤسسات المدنية والدينية، وحتى حليفهم الأساس السلفي تخلى عنهم في مهمتهم السلطوية تلك، فهل من المفاجئ حقًّا أن يتم ترجمة كل صور الاستعداء تلك والتي بنيت عبر أشهر مصاحبة تعبئة إعلامية كبيرة ضد هذا المد الإخواني المتفرد المتوحد في حراك مدني جعل مهمة العسكر الانقلابية بسهولة إعلان الثمانية والأربعين ساعة؟ ننظر بقلق لما يحدث في مصر الآن، ونتمنى أن تعود الأمور لاستقرارها ونصابها الديموقراطي، ونحن ننعى بأسى الفرصة التاريخية التي كانت بيد مرسي ليضع يده بيد القوى الثورية المعارضة حتى يخلق دولة ديموقراطية ينظر بها الإسلامي للعلماني نظرة لا تتجاوز التنافس المشروع لا صراع الوجود... أما الآن وبعد فرض سياسة التغلب من الطرفين لا نملك إلا الدعاء الصامت لقلب العروبة النابض..