"التحكيم" أمر مختلف عن الصلح أو التوفيق أو الوساطة، ومن آثاره أن الحكم الناتج عنه ملزم للخصمين طالما كان موافقا للنظام العام تخرجت في محافظة جدة مساء الثلاثاء الماضي الدفعة الأولى من المحكمين على مستوى الخليج العربي من الدارسين لبرنامج تأهيل وإعداد المحكمين المنظم من قبل مركز التحكيم الخليجي، والذي تم تقديمه بالغرفة التجارية الصناعية بجدة.. ختام البرنامج أضاف لتميز المركز والغرفة والمدرسين والدارسين تميزا آخر هو رعاية معالي الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن الحارثي وكيل وزارة العدل له، وهو الذي تشهد له الأوساط العدلية بجديته وتجديده عين وكيلا قبل عامين وكان عمره 38 عاما .. لم يفاجئني وأكثر زملائي المحكمين حضور فضيلة القاضي الحارثي لختام البرنامج لمعرفتي بأنه كان أصغر عضو ضمن فريق التحكيم السعودي يبتعث إلى بريطانيا، ومكث أكثر من عامين حضر خلالهما مجموعة من الفعاليات المتعلقة بالتحكيم والقضاء الدولي، ولا شك أن الاحتكاك بالخبرات من أقصر طرق صقل الشخصية.. البشرية تعرفت على نظام التحكيم "القضاء الخاص"، قبل القضاء العام، فعادات المتنازعين جرت على البحث عمن يقوم بالفصل بينهم من ذوي الشأن ممن حولهم، وفي النصوص الشرعية نجد مجموعة من النصوص الدالة على ذلك، ومنها قوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما..}، وقوله سبحانه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم..} وفي الحديث: "لما وفد سيدنا أبو شريح هانئ بن يزيد بن نهيك رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه صلى الله عليه وسلم، فقال إن الله عز وجل هو الحَكَم وإليه الحُكمُ فلم تُكنى أبا الحَكَمِ، قال إنَّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحَكمتُ بينَهم فرضِيَ كلا الفريقينِ، فقال صلى الله عليه وسلم ما أحسن هذا.." وهو ما يدل على إقراره صلوات الله عليه لمشروعية التحكيم، وقد حكم سيدنا عمر وسيدنا أبي بن كعب بينهما سيدنا زيد بن ثابت، رضي الله عنهم. التحكيم نظام خاص للتقاضي، يسمح للناس بالاتفاق على اللجوء إليه في منازعاتهم التي يجوز لهم فيها الصلح، والمحكم يباشر ذات الوظيفة التي يقوم بها القاضي في حسم النزاعات، وذلك من خلال عقد يتفق فيه طالب التحكيم مع محكمه، وهو أي التحكيم أمر مختلف عن الصلح أو التوفيق أو الوساطة، ومن آثاره أن الحكم الناتج عنه ملزم للخصمين طالما كان موافقا للنظام العام، ويجب تنفيذه حلا للنزاع، وفصلا للخصومة، ولا مجال للطعن فيه إلا في الحالات التي يطعن بها في حكم القضاء، ويجب على القضاء إمضاء الحكم وتنفيذه، ولا يجوز نقضه إلا في الحالات التي يجوز فيها نقض حكم القضاء. ازدهار نظام التحكيم كوسيلة مفضلة للفصل في المنازعات كان السبب المباشر في تجديد نظام التحكيم السعودي الذي أشهر قبل نحو 14 شهرا، وتضمن 60 مادة دسمة تحتاج إلى تفسيرات تنفيذية لا أظن أنها ستتأخر في الصدور أكثر مما مضى.. أتمنى للزملاء المحكمين التوفيق، والانتباه إلى عظم الحديث الشريف التالي: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة؛ رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به فهو في النار، ورجل لم يَعْرف فقضى للناس على جهل فهو في النار".