بدأ التمايز داخل الحالة الإسلامية يتبلور بالتدرُّج في الوعي الشعبي المصري، صحيح أنه لا يزال بكرًا وغضًّا، إلا أن الأزمة الأخيرة بين مؤسسة الرئاسة والمعارضة، شاركت في رسم الخطوط الفاصلة بين القوى التي تشكل الطيف الوطني الإسلامي في مصر. ولئن كانت النخبة السياسية على وعي كامل بهذا التباين، إلا أنها كانت تقع في أخطاء إستراتيجية كبيرة في جدل الصراع السياسي، حين تخلط بين معارضتها للإخوان وموقفها من الإسلاميين في العموم. مشكلة المعارضة كانت مع الإخوان أساسًا، ومع ذلك كانت تستعدي كل التيارات الإسلامية، على النحو الذي يفضي إلى الاصطفاف حول الجماعة، وينزلها منزلة "القائد" و"الوكيل" الحصري لكل الجماعات الإسلامية على اتساعها وتنوعها واختلافها. الإخوان الآن في السلطة، وليس "النور" أو "البناء والتنمية" أو "الوسط"، ومع ذلك تتعاطى المعارضة مع المشهد وكأن كل الإسلاميين في الحكم الآن، وهو انطباع تكوَّن من غياب التواصل والاستماع إلى القوى الإسلامية الأخرى غير الإخوان. مؤخرًا صدرت التصريحات التي تعكس وجود معارضة إسلامية لطريقة إدارة الإخوان للدولة، بل إن أحزابًا إسلامية كبيرة لم تُخفِ قلقها وفزعها مما يتردد بشأن "الأخونة"، ومؤخرًا سمعتُ تصريحًا للقيادي الكبير ب"البناء والتنمية" الشيخ عبود الزمر، وهو يقول: إن الجماعة -يقصد جماعة الإخوان المسلمين- باتت عبئًا على الرئيس. فيما اتسعت الشقة بين "النور" و"الحرية والعدالة"، واحتفظ الأول بمسافة كبيرة نسبيًّا عن الثاني تسمح له بالحركة بشكل كبير لرأب الصدع والانقسامات الحادة داخل الجماعة الوطنية المصرية. المشهد يُعاد الآن رسمه بشكل أقرب إلى ملامسة حقيقة الخريطة الإسلامية على الأرض، خلافًا للصور الذهنية المتوارثة في العقل "المدني" المصري منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود مضت. الرسالة وصلت متأخرة إلى القوى المدنية، عندما فوجئت بالاجتهادات السياسية والإبداع الجديد الذي قدمه "البناء والتنمية" و"النور" للخروج من الأزمة، وهي المبادرات التي قُدمت مستقلة عن أية مرجعية مع ما يُعتقد بأنها "حليفة" لهما (الإخوان). ولعل السياسي المعروف "د.عمرو حمزاوي" التقط هذه الالتفاتة بشكل جاد، وشرع في تقديم النصائح إلى حلفائه بأن الإسلاميين ليسوا سواءً، وأن الموقف من الإخوان لا يعني ذات الموقف من القوى الإسلامية الأخرى، وأن المسألة تحتاج إلى إضاءة المساحات المظلمة في عقل النخبة المدنية، وإلى مراجعة سريعة وعاجلة قد تثمر خرائط جديدة داخل البرلمان القادم.