لو تحالف العالم الخارجي غير الإسلامي وطوّقنا بالأحلاف، وأنشأ مجامع فكرية وسلطة إعلامية وشكّل فرقاً من العقول التي تقوم بغسل الأدمغة والحرب النفسية، وقام بحصار اقتصادي وعسكري وثقافي على هذا العالم، لما استطاع التأثير عليه، أو تغيير قناعاته، لكن ما فعله المسلمون بأنفسهم تجاوز المنطق والمعقول حتى إن الحديث الشريف حين قال رسولنا الأعظم والأكرم (صلى الله عليه وسلم) «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة، واثنتان وسبعون في النار».. دلالات هذا الحديث لا تحتاج لشرح مضمونها، لكن إيراده في هذا الوقت الحساس والمقلق يجعلنا نفكر إلى أين نتجه بديننا وأمننا عندما تضاعفت الفرق إلى أرقام كبيرة كلّ فرقة تدعي الحق وصواب الرأي، وفرضه، في حين أن الإسلام جاء وانتشر بسلامة نهجه وعقلانيته ومخاطبته العقول، قبل العواطف واحتواء الآخر بالحوار والقبول والرفض على قاعدة الحجة وبذلك امتد إلى آفاق لم يفتحها المسلمون، وحتى في مراحل التخلف نشأ في ظل الشعوب الإسلامية دعاة قاوموا الخرافات والنزعات المتطرفة، وحاربوا القوى الخارجية بنزعة الاتكاء على دين مقاوم للاحتلال وفرض الهيمنة، وفي فجر النهضة العربية كان هناك محمد عبده، والكواكبي، والأفغاني والطهطاوي، وغيرهم جاءوا بفكر متطور وغير متهور أو متطرف، ولكن تلك الدعوات بقيت خارج سياق الاتجاهات المعاصرة، بل سُيس الدين ليكون له مفتون ومحللون، جزأت الشعب الواحد لتفصل ما بين المسلمين وغيرهم، تحت مفاهيم وتقولات لم تكن في صلب التعايش الإسلامي مع الأديان الأخرى، وما كان من اتباع الأديان؟ العالم الإسلامي لم يعد صراعه سنياً - شيعياً، وإن جاء ذلك في صلب الأزمة، إلاّ أن السنة صار لهم أئمة وخطباء، وأصحاب طريقة ومذهب، وتفسير الواقع على رؤى الأشخاص ما سبب انقساماً حاداً ولّد فرقاً أخرى تذهب إلى العكس، وتتوالد الانشقاقات في كلا المذهبين، فصارت القاعدة، اتجاهاً، وجبهات أخرى خرجت من الأقطار العربية لتذهب إلى خارج دائرتها الجغرافية، باعتبار أن هذه الأمة هي مصدر الإسلام وحاملته، ولم يكن الربيع العربي، إلاّ فصلاً جديداً في التسييس للإسلام إذ لم تعد الخلافات بين متطرف ووسطي، بل نشأت صيغ لإسلام يكيَّف لظرف الحكومات الجديدة، ما جعل الصدمة المضادة، تخرج بما يشبه التيار الرافض، لأن من وصلوا لتلك الحكومات، جاءوا على ذكر دعواتهم، لكنهم عجزوا عن أن يدركوا شروط الدولة بتلبية احتياج شعب وأمنه ورفاهيته، وبين أحزاب، وإن كانت تحت مطرقة السلطات قديماً تعاقبها بالسجون والإبعاد، والمراقبة، إلاّ أن الفشل الذي حدث أعطى مبرراً أن الحكومات السابقة بكل سيئاتها أكثر قابلية لخلق ظروف أفضل، وهذه انتكاسة قد تضع مشروع الدولة الإسلامية في مأزق، وحتى الطرف الخارجي المؤثر في المنطقة بدأ يقرأ الصراعات من وجهة نظر مصالحه فقد قبل بدول الربيع ليس لأنها ستقدم نموذجاً رائعاً وانفتاحاً شاملاً، وإنما تطبق بعض المعايير التي تقبلها شعوبهم، لكنهم، بعد الصراعات التي حدثت في الشارع بدأوا يعيدون النظر في علاقاتهم خشية أن تولد قوى متطرفة يصعب احتواؤها، ومع ذلك فليس هناك من نموذج قادر أن يخرج محنة شعبه بقيم جديدة لدولة حديثة يتعايش فيها الجميع بالمساواة والعدل..