بندر بن عبد العزيز الضبعان - الاقتصادية السعودية بدأت الجامعات السعودية منذ أعوام في تأسيس ""عمادات"" تسمى ""عمادات السنة التحضيرية""، تشرف على تدريس الطلاب المستجدين، حيث تخضع كل طالب خرج من ""جموح"" المدارس الثانوية إلى عملية تهذيب (ترويض) أكاديمي، يتعلم خلالها مهارات أساسية في حياته الجامعية والعملية، ويكون أمام الطالب المستجد طوال عامه الأول خياران لا ثالث لهما، إما أن يسبح أو يغرق sink or swim، وإذا تمكن من السباحة (النجاح)، فسيعبر إلى محيط الجامعة حتى يدخل في التخصص المراد. الأمر ذاته يسري على سوق العمل لدينا، هناك خريجون وخريجات من الجامعات السعودية، وكثير منهم يقف على أعتاب هذه السوق باحثا عن فرصة عمل، وبعضهم غير جاهز أصلا للدخول، إما لغياب الرغبة أو القدرة على العمل، ببساطة بعضهم يفتقر إلى امتلاك ""ثقافة العمل"" وليس إلى الدرجات العلمية، بدليل أننا لا نزال نستقدم عمالة غير مؤهلة أو مدربة، لكنها تملك ""ثقافة العمل""، وأول مقوماتها ""الالتزام""! وتتمثل أكبر عقبة تواجه شبابنا وفتياتنا الباحثين عن عمل في تدني مستوى ""التوظفية"" لديهم. فالتوظفية employability هي قدرة الفرد بما يمتلك من معرفة ومهارات وثقافة ترتبط بالعمل في تسويق نفسه لدى أصحاب العمل، وبالتالي نجاحه في الحصول على وظيفة أو البقاء إذا كان موظفا داخل سوق العمل. وإذا نظرنا إلى مخرجات منظومتنا التعليمية بشقيها العام والعالي، فإننا ندرك أنها لا تساعد على رفع مستوى ""توظفية"" الشاب أو الفتاة السعودية، والسبب يكمن في أن التعليم عندنا لا يهيئ الفرد للالتحاق بسوق العمل، كما هو الحال في منظومات تعليمية لدى دول أخرى، ولا أقصد دولا متقدمة، بل أتحدث عن دول عربية شقيقة كالأردن مثلا التي لا تصرف على التعليم والتدريب الأموال الطائلة التي نصرفها! لكن هل مقياس ""الكم"" دائما صحيح؟ إننا نميل إلى قياس التعليم بكم صرفنا لا بماذا حققنا، وهذا ما يجعل منظومتنا التعليمية ُتعلي من شأن الكم عموما على حساب الكيف (عدد المواد المقررة، عدد الطلاب والطالبات الملتحقين والمتخرجين، عدد المدارس، عدد حملة الشهادات... إلخ)، وكأن لا أحد يهمه النتيجة الحقيقية من كل هذه الأعداد، مع أن المفترض أن يكون التعليم قائما على الكيف وكذلك تنبني كل مقاييسه، وأحدها قياس ""المعرفة"" بمدى استخدامنا لها، وليس بشهادة ورقية لا تسمن ولا تغني من بطالة! إننا نعمد إلى تدريس أبنائنا وبناتنا مواد تحشو العقل، لكنها لا تبني شخصية الفرد ولا تنمي فكره ولا تعدل سلوكه، وتشكل المواد النظرية (غير التطبيقية)، ومنها المواد اللغوية والدينية أغلبية مناهجنا، مع أنني أرى أن يتم تدريس المواد الدينية في البيوت وليس المدارس؛ إذ يجب على أولياء الأمور غرس مفاهيم ""التربية الدينية"" وقيمها في نفوس صغارهم، لا أن ينتظروا من المدارس أن تؤدي الدور ""التربوي"" عنهم، فمشهد أن يرى الابن أباه يتوضأ أمامه ويصلي معه الفريضة ""خير"" ألف مرة من تكرار المعلمين لدروس تحدثه عن وجوب الصلاة وعقوبة تاركها! إن التربية الدينية بما تحض عليه من قيم وأخلاق وسلوكيات تُغرس بطريقة ""الاقتداء"" (التعلم عن طريق القدوة الحسنة) لا عن طريق ""التلقين""، فالصدق والأمانة والتسامح واحترام الآخرين وغيرها لا تعلم بصورة فاعلة خارج أسوار المنزل، فنحن تعلمنا الفضائل من آبائنا وأمهاتنا، والمدرسة في هذا الجانب كان دورها محدودا. الأجدى أن تعيد المدارس تحديد دورها وتركز على تدريس الطالب المعارف والمهارات التي يحتاج إليها يوما ما في مجال العمل، على أن يتم تشجيع الطالب حسب موهبته وتنمية ميوله التي من الممكن أن تؤثر في مساره المهني في المستقبل، فربما نغفل عن حقيقة أن الفترة الذهبية للفرد هي أعوام طفولته الأولى (من عام إلى ستة أعوام)، فهذه الفترة تشهد ذروة التفتح الذهني، حيث يستطيع الطفل التعلم دون صعوبات إذا وجد الدعم الكافي والبيئة الملائمة. ومع الأسف، في كثير من بيوتنا، يتم قمع الطفل خلال هذه الفترة الذهبية، وكبت فضوله المعروف بطرح الأسئلة، وعندما يُقمع الطفل في البيت ثم في المدرسة ثم الجامعة، فهل يحق لنا أن نتساءل بعدئذ لماذا لا يستطيع هذا الفرد أن ينخرط في سوق العمل؟ إنني أحمل التربية في البيت والتعليم في المدارس والجامعات المسؤولية الكاملة في تخريج جيل من الشباب والفتيات ولا سيما المولودين خلال أو بعد غزو الكويت 1990 يعيش معظمه بلا هوية أو أهداف محددة في هذه الحياة، كل ذلك لأنه نشأ في مجتمع استخف بقدراته، وقمع مواهبه، وقتل طموحاته، والمحصلة أمامنا ماثلة: جيل هش واتكالي غير قادر على الولوج إلى سوق العمل، فضلاً عن قدرته على الصمود والمنافسة في بحورها اللجية. لذا، من الممكن للقطاع الخاص السعودي (ممثلا في الغرف التجارية) بالتعاون مع وزارة العمل أن يؤسس ما يشبه ب ""السنة التحضيرية""، يتم فيها تجهيز الشاب والفتاة لسوق العمل وتزويدهم بالمهارات اللازمة لزيادة مستوى ""توظفيتهم"".. تلك المهارات التي كان من المفترض أن يكتسبوها في المدارس والجامعات، منها: - مهارات حل المشكلات واتخاذ القرارات. - مهارات إعداد التقارير وكتابتها. - مهارات إدارة الوقت. - مهارات إدارة المشروعات. - مهارات التواصل الفاعل مع الآخرين. - مهارات التفاوض. فهل في مناهجنا الدراسية ""التقليدية"" ما يعلم أبناءنا وبناتنا لو نزرا يسيرا من هذه المهارات؟ هل استطاعت وزارة التربية والتعليم من خلال شركة تطوير التعليم القابضة أن تحدث ""ثورة"" في المناهج لتدريس مهارات من ذلك النوع؟ هل استطاع برنامج ""حافز"" أن يرفع من مستوى ""توظفية"" الشباب والفتيات بتزويدهم بتلك المهارات؟ ولأن ""لا النافية"" تجيب عن تلك الأسئلة، فنحن بالفعل نحتاج إلى ""سنة تحضيرية"" للقطاع الخاص السعودي لتأهيل الباحثين عن عمل والموظفين المستجدين؛ تمهيدا للدخول إلى عالم ""البزنس"" الذي يخيرك بين السباحة أو الغرق!