كنت أحد المشاركين في اللقاء السادس للخطاب الثقافي السعودي والذي ينظمه ويحتضنه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ، وكان عنوانه ( الحراك الثقافي في مواقع التواصل الاجتماعي ) ، وتشهد السعودية في الأشهر الأخيرة حمى صاخبة يتسيد ذروتها «العم تويتر»، وبالتالي فالعنوان الأبرز للفعاليات الثقافية مؤخراً يستعمرها السلوك الاجتماعي الجديد، وفي الشهرين الماضيين ترأست جلستين في الغرفة التجارية وفي معرض الكتاب وشاركت بندوتين في جمعية مسك وفي مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كلها تدور حول الإعلام الجديد . والمفارقة التي استرعت انتباهي من خلال العدد الهائل الذي استمعت له من المشاركات والمداخلات أن الشباب أكثر نضجاً وأعمق فهماً من الأكاديميين إذا كان الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي . «العم تويتر» يقلب المعادلة في السعودية، ويعيد صياغة المشهد على قواعد جديدة لم يشتهيها كثير من هوامير الماضي. في اليوم الأول من الحوار الوطني بجلستيه الأولى والثانية آثرت الاستماع والتحليل وأحجمت عن الحديث، وقد صعدت إلى غرفتي وأنا منزعج من تكرار كلمات الحجر والمحاسبة من قبل المداخلين ( قوانين - ضوابط- منع - تقييد - تقنيين ) ، وقد نسي المداخلون أن الحرية أتتنا مقيمة وليست زائرة . يشعرني بعض الرسميين وبعض الأكاديميين أن من يتواجد في تويتر هم طلبة ثاني ثانوي شرعي الذين عرفوا بمشاغبتهم، وأن على المجتمع ضبطهم وإعادتهم لحضيرة الأسوياء على طريقة وكيل المدرسة الذي يملك دفتر التعهدات وعصا التجاوزات، ولم يستوعبوا أن المجتمع ينعكس بحقيقته هنا دون عمليات تجميلية تظهر ما نشتهي وتحجب ما لا نشتهي . المغردون السعوديون تنفسوا حرية التعبير بعد «العم تويتر» ، وأصبح لكل مغرد منصته الخاصة التي يعبر بها عن ذاته بالطريقة التي يراها هو دون أخذ تصريح أو دفع قرابين لأحد، فالفرص هناك متكافئة ولاتحتاج للمزايدة على غيرك كي تُمكن من مكتسباتك. وعندما يتحدث الناقمون عن قوانين صارمة يجب أن تشرع لضبط «العم تويتر» ، فأنا أقول: إن أول قانون يجب أن يشرع هو تجريم من يمنع الناس عن حريتهم في التعبير . لقد فشل الإعلام التقليدي في العقود الماضية في ممارسة دوره كسلطة رابعة، وكان إعلاماً موجهاً يعبر عن وجهة السلطة التنفيذية فقط فأضحى الناس ينادون القناة الحكومية باسم «غصب» كإشارة تهكمية تعبر عن احتجاجهم لنهجها الرقابي، وعندما اقتحم الناس عالم تواصلهم الجديد وجدوا ضالتهم في «العم تويتر» فأصبح هو سلطتهم الرابعة بعد أن غاب دورها في إعلامهم التقليدي ، وأصبح «العم تويتر» هو برلمان المغردين بعد أن فقدوا الانتماء لمؤسستهم التشريعية، ولسان تغريدهم يقول: (الحرية تريدنا ونحن نريدها).