كثيراً ما أتهم النظام المصري السابق، وأحياناً عن حق، بأنه استغل المواجهات الطائفية بين المسلمين والأقباط من أجل إحكام قبضته الأمنية، والسياسية أيضاً، فإضافة إلى كون الفتنة الطائفية تعبيراً عن مأزق العلاقة بين أطياف مجتمع متأزم، كانت لها وظيفة سياسية يستغلها النظام لتغطية أزمات أخرى، أو لإلهاء المجتمع المصري عن قضية أساسية، أو لاستقطاب المشاعر، من مسلمين تارة وأقباط طوراً. وفي أي حال، كانت الأجهزة الأمنية والشرطة هي المولجة بالتعامل مع حالات الفتنة، وتشرف على ترتيبات التسويات، سواء القضائية أو العرفية، ليظل التعامل مع الفتنة نهجاً من النظام وخياراً سياسياً منه. بعد رحيل النظام السابق ووصول جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الرئاسة، تغير معطى التعامل مع الفتنة تغيراً جذرياً، فبالارتباط مع المرحلة التأسيسية والجدل الذي شهدته في شأن الدستور، دفع «الإخوان»، عبر ممثلهم في الرئاسة محمد مرسي وعبر دعم التيارات الإسلامية بكل أطيافها، قضية الشريعة وتطبيقها إلى الواجهة، بحيث حولوا أي نقاش للمواد المتعلقة بها نوعاً من الكفر، وقام «الإخوان» ومعهم قيادات التيارات الإسلامية، بحملة تحريض لا سابق لها على كل من ينتقد أو يتحفظ عن مواقفهم من الدستور، بذريعة أنهم وحدهم من يدافع من الشريعة، ليؤسسوا بذلك لانقسام مجتمعي كبير يجري التعبير عنه باستهداف مؤسسات الصحافة والقضاء، وشرائح اجتماعية مثل الليبراليين والأقباط. أي أن «الإخوان» نقلوا كيفية التعامل مع عناصر الفتنة الطائفية من الحيز الأمني الذي كان يلجأ إليه النظام السابق، إلى الحيز المجتمعي، ليؤسس لانقسام واسع داخل البلاد، بعدما عملوا على تعزيز التمييز في نصوص الدستور. يعمل الإسلاميون في مصر إلى تثبيت واقع لا عودة عنه، عبر الدستور الذي يريدون تمريره بشكل ملتو عبر مجلس الشورى، وعبر تعميم ثقافة استهداف الآخر، المختلف سياسياً ودينياً. وما عشرات الحوادث التي تورط فيها أنصار الإسلاميين في الشوارع ضد المصريين، سوى التعبير عن هذا الواقع الجديد. ويتوقع ان تتعمق هذه الأزمة، إضافة إلى الأزمات الأخرى الاقتصادية والسياسية، في ظل النهج الذي يتبعه الرئيس مرسي. ففي حين أن المشكلة تكمن في مواد دستورية تعمق التمييز بين المواطنين على أساس الجنس والدين، يلجأ الرئيس إلى معالجات سطحية وغير مفيدة، ففي الوقت الذي تسيل فيه دماء مصريين في الشوارع وتحرق ممتلكاتهم، وفي الوقت الذي تزداد حدة التوترات والتهديدات بالعنف، عالج الرئيس الوضع، كما جاء على صفحته على «فايسبوك»، ب «إصدار أوامره بإعادة تشكيل المجلس الوطني للعدالة والمُساواة وتفعيله، الذي يستهدف تعزيز تلك القِيَم ونشر ثقافة المُواطنة وتعميق الوعي بها، والمساهمة في إيجاد ضمانات قانونية وواقعية تكفل العدالة والمُساواة بين أبناء الشعب المصري بصرف النظر عن الأصل أو النوع أو الدين أو المُعتقَد». ولم يسأل الرئيس، أو أحد مستشاريه، عن معنى مثل هذا المجلس، في الوقت الذي يجري التمييز على مستوى الدستور، فهاجس الحرص على «المساواة» بين المصريين لا يكون جدياً ما لم يدفع في اتجاه مأسسة هذه المساواة. لكن واقع الحال مغاير تماماً، إذ إن نهج الإسلاميين يدفع في اتجاه مزيد من التفرقة والتمييز بين المواطنين. وفي حين كان النظام السابق يستغل واقع الأزمة، فإن نظام «الإخوان» في مصر يعمقها ويدفع بها إلى حدود تهدد وحدة البلاد. ألم يكن حكم «الإخوان» في السودان، قبل حكم «الاخوان» في مصر، أول من دعا الى التقسيم وقبل به، انطلاقاً من نظرية أن من لا يريد حكماً إسلامياً يمكنه الانفصال؟