جاء في النهي عن سفر المرأة بغير محرم أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما وجاء النهي فيها مطلقا ومقيدا بيوم وبيومين وبثلاثة أيام وبمسيرة ليلة ولذلك حرم جمع من العلماء سفرها بغير محرم وقال آخرون بجوازه مع الأمن في حج الفريضة وجوزه مطلقا مع الأمن آخرون كالحسن البصري وداود. وقال به الشافعي والنووي ومالك، وهو رواية عن أحمد. وأباحه مطلقا جمع من الفقهاء المتأخرين ومن المعاصرين ابن جبرين رحمه الله قال: لا بأس عند المشقة على المحرم كالزوج أو الأب إذا اضطرت المرأة إلى السفر ولم يتيسر للمحرم صحبتها فلا مانع من ذلك.. الخ. وهذه المسألة محل اجتهاد بين أهل العلم فمن لاحظ أن المعنى من النهي هو تحقق الاطمئنان رأى جواز سفرها بغير محرم متى زالت علة التحريم ومن لم يلتفت لذلك المعنى رأى عدم الجواز. وفي تفاوت مدد التقييد في النهي عن السفر بيوم ويوم وليلة ويومين وثلاثة ومسافة بريد ومطلقا ما يشعر بأن النهي معلل بمصلحة معقولة المعنى وليس تعبديا. واعتبار تلك العلة وذلك المعنى أظهر ولذلك إذن عمر بن الخطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحج في آخر حجة حجها وبعث معهن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف أخرج ذلك البخاري في صحيحه معلقا وجزم به وبوب عليه بقوله (باب حج النساء) وأخرجه ابن سعد والواقدي بسند حسنه الألباني. وصحح ابن حجر في الفتح اسناد ما رواه ابن سعد من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: رأيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم حججن في هوادج عليها الطيالسة. ولا يخالف ذلك ما أخرجه أبو داود وأحمد عن أبي واقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة الوداع: هذه ثم ظهور الحصر. فقد فهمت عائشة وغيرها من أزواجه عليه الصلاة والسلام أن المراد بأنه لا يجب عليهن الزيادة وليس المنع، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة أنها قالت: قلت يا رسول الله ألا نغزو ونجاهد معكم فقال لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور فقالت عائشة فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك لما ظهر لعمر رضي الله عنه الجواز أذن لأزواجه عليه الصلاة والسلام، وتبعه على ذلك الصحابة من غير نكير وكان عثمان بعده يحج بهن في خلافته أيضا. قال البيهقي: في حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبي واقد وجوب الحج مرة واحدة كالرجال، لا المنع من الزيادة. وفيه دليل على أن الأمر بقرار أزواجه عليه الصلاة والسلام في البيوت ليس على سبيل الوجوب وقد استدل بحديث عائشة هذا على جواز حج المرأة مع من تثق به ولو لم يكن زوجا ولا محرما. ويؤكد صحة الجواز ما رواه البخاري في الصحيح عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوشك أن تخرج الضعينة من الحيرة تؤمّ البيت لا جوار معها، لا تخاف إلا الله. وهذا سياق مدح وامتنان ولا يكون إلا بمباح. وعلى هذا فالظاهر أن نهي النساء عن السفر بغير محرم ليس نهيا مقصودا لذاته وإنما لعلة الأمن عليهن فمتى تحقق الأمن لم يبق للتمسك بالحكم معنى؛ بل التيسير حينها على الناس من أهم مقاصد الشرع. ولا يخفى أن ما استحدث من وسائل نقل جماعية من طائرات وقطارات وحافلات فيه مزيد طمأنينة وأمان وراحة وتنتفي معه الخلوة، وتنتظم فيه الرحلات بمواعيد محددة، ومسارات جوية أو برية أو بحرية معلومة.