يتوقع القارئ دائماً أن يجد فيما سيقرأه -في كتاب أو صحيفة- شيئاً جديداً من حيث الفكرة أو المعلومات. وسيخيب أمله إن وجد أن ما قرأه ليس بجديد، ولا يزيد عن كونه اجتراراً لأفكار ومعلومات سبق نشرها في أماكن عدة. ويمثل المقالان اللذان كتبتْهما الدكتورة نوال العيد في «الحياة» (1 /2/ 2013، و8 /2/ 2013م) أنموذجين صارخين لظاهرة الاجترار لما سبق نشره في أماكن عدة والإيهام بأنه جديد ينشر لأول مرة. فقد سبق للدكتورة نوال، مثلاً، أن أوردت معظم ما في مقالها الأول، الذي عرضتُ له في مقالي السابق، في مقالاتها وكتبها السابقة. فقد أوردت، مثلاً، الإحصائية الموهومة التي أوردتْها في مقالها حرفياً في كتابها (حقوق المرأة في ضوء السنة النبوية، نسخة على الإنترنت، د. ت، مفقود منها صفحتَا العنوان ومعلومات النشر، ص 58)، وأشارت إلى أنها أخذتْها من كتاب الدكتور فؤاد العبد الكريم (العدوان على حقوق المرأة في المؤتمرات الدولية، 1426ه)، وهو الذي أخذها حرفياً من مصدر سابق، وأخذها ذلك المصدر من مصدر سابق، إلى نهاية السلسلة! والأغرب أن بعض تلك المصادر «المجترَّة!» رسائلُ «علمية» يفترض أن تخضع لأعلى معايير التمحيص! وسأعرض هنا لمقال الدكتورة نوال الثاني («الحياة» 8 /2/ 2013م)، بعنوان: «ربة بيت «عاطلة»!». وأول ما يتبادر إلى الذهن أن المقال جديد، والمعلومات التي وردت فيه جديدة. ويدعم هذا التوقع تجهمُ اللغة التي استخدمتها الدكتورة العيد في المقال والنغمة «الدعوية» الواثقة. ولما قرأت المقال بدا لي، بسبب تجربتي السابقة -غير المشجِّعة!- مع «الاستشهادات» التي تأتي بها الدكتورة نوال، أن أبحث عن مصادر المعلومات التي أوردتْها في مقالها هذا. وكان ما اكتشفتُه مفاجأة كبرى! فقد أخذَت المقالَ كله، عدا جمل قليلة، حرفيا من كتابها (حقوق المرأة في ضوء السنة النبوية، ص 713 717)! والسؤال الآن هو: هل يجوز للدكتورة نوال التدليس على القارئ وإيهامه بأن مقالها يتضمن معلومات وأفكارا جديدة؟ وهل يجوز لصحيفة أن تنشر مقالات بهذه الصفة؟ ومارست الدكتورة الفاضلة في مقالها ما سبق أن مارستْه في مقالها السابق من نقل النصوص من غير توثيق. ويكفي مثال واحد على هذا الاجترار، وهو قولها: «وقد صدر تقرير في الولاياتالمتحدة عن لجنة مكونة من دائرة الصحة، والتربية، والرعاية الاجتماعية لدراسة شؤون العاملين في ميادين العمل، ومن ذلك عمل المرأة الأمريكية وانعكاساته على أسرتها وأطفالها جاء فيه: «والحقيقة الواضحة أن رعاية الأطفال يعد (هكذا!) عملاً بكل ما يفيده مفهوم العمل، لأن هذه الرعاية مهمة صعبة، وذات أثر خطر على المجتمع الكبير، أكثر من أي عمل آخر تدفع له الأجور، إن المشكلة ليست في قبول الناس في مجتمعنا الأمريكي لهذه الحقيقة أم عدم قبولهم، وإنما المشكلة هي في معتقداتنا وثقافتنا الخاصة، فنحن كمجتمع لم ندرك بعد الحقيقة عن قيمنا وتقديراتنا عن النافع وغير النافع، وسوف يتحقق هذا الإدراك حين نبدأ النظر إلى اللاتي يكرسن أنفسهن للأمومة، ورعاية البيت باعتبارهن عاملات منتجات، وندفع لهن أجوراً ورواتب، في مقابل هذه الرعاية، وحين نعد عملهن في البيت إسهاماً جليلاً في زيادة الدخل القومي». وهذا النص جزء مما أخذتْه الدكتورة نوال من كتابها «حقوق المرأة»، كما سبق القول. وإذا رجعنا إلى تلك الصفحات في كتابها نجدها تشير إلى أنها أخذتْه، وغيره! حرفيا من كتاب الدكتور فؤاد العبد الكريم (العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية، ص320)، وإذا رجعنا إلى كتاب الدكتور العبد الكريم نجده يشير إلى أخذه النص حرفيا من كتاب الدكتورة مها الأبرش: «الأمومة ومكانتها في الإسلام»، 1427ه، (ج2/ ص ص 934 936)، وأصله رسالة دكتوراة حصلت عليها من جامعة أم القرى. ورجعت الدكتورة الأبرش إلى التقرير الأمريكي وأوردت معلومات نشره باللغة الإنجليزية، لكنها أخطأت في سنة نشره (وهو 1972م، لا 1973م)، وأخطاء أخرى. ومن المسلي أن الدكتورة نوال، مع مخالفة هذا الاجترار الذي لا يتوقف والإيهام المقصود، ربما، بجدة ما تكتبه، تعبر في مقالها عن احترامها للقيم المنهجية التي تخالفها من حيث الممارسة بجرأة لافتة، فتقول: «ولا شك في أن هذا التصور مخالفة للمنهج العلمي»(هكذا!)، و»لكني ومن خلال المنهج العلمي أرى»! وقد جاء كتابها «حقوق المرأة في السنة النبوية» في 898 صفحة، وبلغت مراجعه 702 مرجع! لكن على الرغم من أنها تناقش فيه قضايا تتعلق بالمرأة في الغرب إلا أنها لم تورد مرجعا واحدا بلغة أجنبية! وتصف الدكتورة نوال الظروف التي «ألَّفتْ» فيها كتابها الذي كان بحثا فازت به بجائزة الأمير نايف -رحمه الله- للسنَّة النبوية في 1427ه بقولها: «بحثي يتكون من 820 صفحة(؟) وقد بدأت في كتابته في ثلاثة أشهر فقط أثناء الإجازة الصيفية الماضية ذلك أننا أبلغنا مع قدوم الاختبارات النهائية في الكلية وقد انتابتني حيرة هل أستطيع إنجازه أم لا؟! لكنني عزمت على المشاركة حتى أنني كنت أعمل في البحث يومياً ما بين 9-8 ساعات وألغيت جميع ارتباطاتي خلال تلك الفترة، وأضافت الدكتورة نوال، قبل أن أبدأ بدأت بقراءة جميع الكتب المتعلقة في هذا الموضوع ومكثت أسبوعين في قراءتها لكنني لم أجد كتاباً من الكتب التي وقعت تحت يدي يجمع كل الأدلة المتعلقة بحقوق المرأة في السنة فركزت أن أعرض في بحثي جميع الأقوال ولم أكتف بالراجحة وأبحث هذه الحقوق من جميع الجوانب ليكون موسوعة للمرأة لمنحها حقوقها وأهمها الحقوق المدنية»(عكاظ 30 /5/ 1427ه)! ومن المفارقات اللافتة كذلك أنها توبخ في مقدمة كتابها (ص3)، بحزم وتعالٍ وأستاذية، «كتابات» «المتفرنجين» والمستغربين (من السعوديين، ربما!) واصفة إياها بقولها: «وإذا نظرت إلى الصياغة وجدت الألفاظ المولدة، والتراكيب الركيكة، واللحن الفاحش، وتصيد عبارات صحفية تُقمّش من هنا وهناك على جادة «القص واللزق» (هكذا!) طريقة العجزة الذين قعدت بهم قدراتهم عن أن يكونوا كتّابا، وقد آذوا من له في لسان العرب والذوق البياني أدنى نصيب». والواقع أن هذا الوصف ينطبق انطباقاً حرفياً على كتابها، كان نتيجة حتمية لعمليات واسعة من «القص واللصق» و»التقميش»، بالإضافة إلى الركاكة الأسلوبية والأخطاء اللغوية من كل نوع. وهذا ما اتصف به مقالها كذلك! أيجوز هذا الاجترار والإيهام والركاكة والتعالي في الدعوة إلى الله؟!